ثم ساروا وكلما مرّوا على دار من دور الأنصار يتضرّعُ إليه أهلها بأن ينزل عندهم، ويأخذون بزمام الناقة، فيقول: …
«دعوها فإنها مأمورة»، ولم تَزَل سائرةً حتى أتت بِفنَاء بني عديبن النجار (وهم أخواله الذين تزوج منهم هاشم جده) فبركت بمحلة من محلاتهم أمام دار أبي أيوب الأنصاري، واسمه خالد بن زيد، وذلك مَحل مسجده الشريف، فقال عليه الصلاة والسلام: «ههنا المنزل إن شاء الله» {رَّبّ أَنزِلْنِى مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [المؤمنون: 29] فاحتمل أبو أيوب رَحْله ووضعه في منزله، وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام ناقته فكانت عنده، وخرجت ولائد بني النجار يقلن:
نَحْنُ جَوارٍ من بني النَّجَّارِ ** يا حبّذا محمدٌ مِنْ جَارِ
فخرج إليهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتحببنني؟» فقلن: نعم، فقال: «الله يعلم أن قلبي يحبكن» واختار عليه الصلاة والسلام النزول في الدَّوْرِ الأسفل من دار أبي أيوب ليكون أريح لزائريه، ولكن لم يرضَ رضي الله عنه ذلك كرامة لرسول الله لما يمكن أن يصيبه من التراب الذي يُحدِثه وطء الأقدام أو الماء الذي يهراق، فقد اتفق أن كُسرت من زوجته جرّة ماء بالليل، فقام هو وهي بقطيفتهما التي ليس لهما غيرُها، يمسحان الماء خوفاً على رسول الله، ولذلك لم يَزَلْ أبو أيوب يستعطفه حتى كان في العِلْو، وكانت تأتيه الجِفَانُ كل ليلة من سرَاة الأنصار كسعد بن عبادة وأسعدبن زرارة وأُم زيد بن ثَابت، فما من ليلة إلا وعلى بابه الثلاث أو الأربع من جفان الثريد.