بعد رحلة الطائف الأليمة، وقع حادث الإسراء والمعراج، فكان مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أرخ الزهري ذلك قبل خروجه إلى …
المدينة بسنة. وحادث الإسراء والمعراج ثابت بنص القرآن قال تعالى: {سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ} [الإسراء:1].
وقد صحت الروايات في قيام جبريل عليه السلام بشق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم وغسله من ماء زمزم، وإفراغ الحكمة والإيمان في صدره.
ففي الصحيحين عن أنس قال: “كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمةً وإيماناً، فأفرغه في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا».
وقد وردت روايات أخرى صحيحة تفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في المسجد الحرام، أو في الحطيم أو الحجر بالذات من المسجد الحرام حين شق صدره وغسل قلبه، ويمكن الجمع بأنه كان في بيته ثم جاء به جبريل إلى المسجد الحرام. فالرواية التي سقتها تفيد بأن الغسل تمَّ بماء زمزم، وهو في المسجد الحرام، وقد تبيَّن الشرَّاح أن الحكمة في شق الصدر وملء قلبه إيماناً وحكمةً استعداداً للإسراء به تظهر في عدم تأثر جسمه بالشق وإخراج القلب مما يؤمنه من جميع المخاوف العادية الأخرى. ومثل هذه الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لمقدرة الله تعالى التي لا يستحيل عليها شيء.
وقد أنكر ابن حزم الظاهري والقاضى عياض وقوع الشق ليلة الإسراء وادعى أن ذلك تخليط من شريك – في إسناد البخاري – وليس كذلك، فقد ثبت وقوع شق الصدر في الإسراء والمعراج في الصحيحين من غير طريق شريك.
وبعد أن فرغ الملكان من شق صدره وغسله ولأمه أسرى به إلى بيت المقدس على البراق حيث صلَّى بالأنبياء فيه، ووصفهم هيآتهم. ثم عرج به إلى السماء السابعة ماراً ببقية السموات الست ملتقياً بالأنبياء آدم ويوسف وإدريس وعيسى ويحيى بن زكريا وهارون وموسى وإبراهيم.
وقد سمع صريف أقلام الملائكة، وفرضت عليه الصلاة خمسين صلاة ثم خففت إلى خمس صلوات.
وقد وصف سدرة المنتتهى بأن نبقها مثل الجرار، وورقها مثل آذان الفيلة.
ووصف البيت المعمور في السماء السابعة وما يدخله من الملائكة.
ووصف نهر الكوثر في الجنة وأن حافتيه قباب اللؤلؤ مجوف وطينه مسك أذفر.
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان قد رأى ربه فقال: «نور أنى أراه!».
ووصف ما رآه من أنهار الجنة وهي أربعة أنهار؛ اثنان باطنان في الجنة, واثنان ظاهران وهما النيل والفرات.
ووصف رؤيته لجبريل لما دنا منه وإن له ستمائة جناح وإليه تشير الآية {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ} [النجم:9-11] إلى قوله {لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ} [النجم:18].
ورأى في المعراج عذاب الذين يغتابون الناس فإذا لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم.
وقد أتاه جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذ اللبن، فقال جبريل: هي الفطرة.
وقد وردت قصة الإسراء والمعراج مفصلة طويلة من طريق ضعيفة متونها تشبه أخبار القصاص.
وعندما أخبر رسول الله قومه بما وقع معه من الإسراء والمعراج صدقه المؤمنون وكذبه المشركون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قط».
قال: «فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به»، لقد افتتن المشركون فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجباً، ولكنهم اضطروا للاعتراف بصحة وصفه لمسجد بيت المقدس.
وقد صح أن بعض المسلمين ارتدوا، وأن أبا بكر رضي الله عنه قال للمشركين عندما أخبروه بخبر الإسراء والمعراج: لئن قال ذلك لقد صدق. قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ فقال: نعم. إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق.
ويمكن القول بأن حادثة الإسراء كانت تطميناً ومواساةً لرسول الله، وفتنة للكافرين الذين زاد عنادهم وكفرهم، ولبعض ضعفاء الإيمان ممن زلزل الحادث إيمانهم، فكفروا ولم يعودوا إلى حظيرة الإيمان حتى قتلوا.
وقد تأول البعض حادث الإسراء والمعراج فزعم أنه رؤيا منامية، ومنهم من زعم أنه بالروح وليس بالجسد، والصواب كما ثبت عن ابن عباس أنه رؤيا عين بالروح والجسد. قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} [الإسراء:60].
وهذا هو رأي جمهور العلماء أن الإسراء كان يقظة بروحه وجسده، مرة واحدة. وأن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة.