وقبل الهجرة أكرمه الله بالإسراء والمعراج، أما الإسراء …
فهو توجهه ليلاً إلى بيت المقدس بإِيْلياء ورجوعه من ليلته، وأما المعراج فهو صعوده إلى العالم العلوي، وقد قال جمهور أهل السنّة: إن ذلك كان بجسمه الشريف، وكانت عائشة رضي الله عنها تمنع رؤية رسول الله ربه، وتقول: من قال إن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، والإسراء مذكور في القرآن الكريم، قال تعالى في أول سورة الإسراء: {سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
وأما المعراج فقد ورد في صحيح السنّة، وأصحّ أحاديثه ما رواه الشيخان ونقله القاضي عياض في شفائه عن أنسبن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتيت بالبُراق» ــــ وهو دابّة فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طَرْفه ــــ قال: «فركبته حتى أتيتُ بيتَ المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فأتاني جبريل بإناءٍ من خمرٍ، وإناءٍ من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة. ثم عُرِجَ بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا بآدم، فرحب بي، ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى ابن مريم فرحبا ودَعَوا لي بخير. ثم عُرَج بنا إلى السماء الثالثة فذكر مثل الأول، ففتح لنا وإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أُعطي شطر الحسن، فرحب ودعا لي بخير. ثم عُرِجَ بنا إلى السماء الرابعة فذكر مثله، فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير. قال تعالى في سورة مريم: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} [مريم: 57]. ثم عُرج بنا إلى السماء الخامسة، فذكر مثله، فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فذكر مثله، فإذا أنا بموسى فرحب بي ودعا لي بخير. ثم عُرج بنا إلى السماء السابعة، فذكر مثله، فإذا أنا بإبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يَدْخُلُه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه. ثم ذُهِبَ بي إلى سِدْرَةَ المنتهى، فإذا أوراقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقِلال فلما غشيها من أمر ربي ما غشيها تغيّرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إليَّ ما أوحى، ففرض عليّ وعلى أمتي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فَسَلْهُ التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل قبلك وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربي وقلت له: يا ربي خفِّف عن أمتي، فحطَّ عني خمساً، فرجعت إلى موسى، فقلت: حطّ عني خمساً، قال: إن أمتك لا يُطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فَسَلْه التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربي تعالى وبين موسى حتى قال سبحانه: يا محمد! إنهنّ خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، ومن همّ بحسنة فعملها كُتِبت له عشراً، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها لم تُكتب له شيئاً، ومن همّ بسيئة فعملها كتبت له سيئة واحدة. قال: فنزلتُ حتى انتهيتُ إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فَسَلْهُ التخفيف، فقلت: قد رجعتُ إلى ربي حتى استحييت منه».
ثم رجع عليه الصلاة والسلام من ليلته، فلما أصبح غدا إلى نادي قريش فجاء إليه أبو جهل بن هشام فحدّثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جرى له فقال أبو جهل: يا بني كعب بن لؤي هلمّوا، فأقبل عليه كفار قريش، فأخبرهم الرسول الخبر، فصاروا بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجباً وإنكاراً، وارتد ناس ممّن كان آمن به من ضعاف القلوب، وسعى رجال إلى أبي بكر فقال: إن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا أتصدقه على ذلك؟ قال: إني لأصدقه على أبعد من ذلك، فسُمِّي من ذلك اليوم صدِّيقاً، ثم قام الكفار يمتحنون رسول الله فسألوه نعت بيت المقدس وفيهم رجال رأوه، أما رسول الله فلم يكن رآه قبل ذلك فجلَّاه الله له فصار يصفه لهم بابا باباً وموضعاً موضعاً، فقالوا: أما النعت فقد أصاب، فأخبرنا عن عيرنا، وكانت لهم عِير قادمة من الشام، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها، وقال: «تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق». فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو الثنية، فقال قائل منهم: هذه والله الشمس قد أشرقت، فقال آخر: وهذه والله العِير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد، فلم يزدهم ذلك إلا كبراً وعناداً، حتى قالوا: هذا سحر مبين.
وفي صبيحة ليلة الإسراء جاء جبريل وعلَّم رسول الله كيفية الصلاة وأوقاتها، فيصلي ركعتين إذا ظهر الفجر، وأربع ركعات إذا زالت الشمس ومثلها إذا ضوعف ظل الشيء، وثلاثاً إذا غربت، وأربعاً إذا غاب الشفق الأحمر. وكان عليه الصلاة والسلام قبل مشروعية الصلاة يصلي ركعتين صباحاً، ومثلهما مساءً كما كان يفعل إبراهيم عليه السلام.