واسم هاشم عمرو، وإنما قيل له هاشم، لأنه أول من هشم الثريد لقومه بمكة وأطعمه، وله يقول مطرود بن كعب الخزاعي- وقال ابن الكلبي: …
إنما قاله ابن الزبعرى:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه *** ورجال مكة مسنتون عجاف
ذكر أن قومه من قريش، كانت أصابتهم لزبة وقحط، فرحل إلى فلسطين، فاشترى منها الدقيق، فقدم به مكة، فأمر به فخبز له ونحر جزورا، ثم اتخذ لقومه مرقة ثريد بذلك الخبز.
وذكر أن هاشما هو أول من سن الرحلتين لقريش: رحلة الشتاء والصيف.
وحدثت عن هشام بن محمد، عن أبيه، قال: كان هاشم، وعبد شمس- وهو أكبر ولد عبد مناف، والمطلب- وكان أصغرهم- أمهم عاتكة بنت مرة السلمية، ونوفل- وأمه واقدة- بني عبد مناف، فسادوا بعد أبيهم جميعا، وكان يقال لهم المجبرون، قال: ولهم يقال:
يا ايها الرجل المحول رحله *** ألا نزلت بآل عبد مناف!
فكانوا أول من أخذ لقريش العصم، فانتشروا من الحرم، أخذ لهم هاشم حبلا من ملوك الشام والروم وغسان، وأخذ لهم عبد شمس حبلا من النجاشي الأكبر، فاختلفوا بذلك السبب إلى أرض الحبشة، وأخذ لهم نوفل حبلا من الأكاسرة، فاختلفوا بذلك السبب إلى العراق وأرض فارس، وأخذ لهم المطلب حبلا من ملوك حمير، فاختلفوا بذلك السبب إلى اليمن، فجبر الله بهم قريشا، فسموا المجبرين.
وقيل: ان عبد شمس وهاشما توأمان، وإن أحدهما ولد قبل صاحبه، وإصبع له ملتصقة بجبهة صاحبه، فنحيت عنها فسال من ذلك دم، فتطير من ذلك، فقيل: تكون بينهما دماء ولى هاشم بعد أبيه عبد مناف السقاية والرفادة.
حدثني الحارث، قال: حدثنا مُحَمَّد بن سعد، قال: أخبرنا هشام بن محمد، قال: حدثني معروف بن الخربوذ المكي، قال: حدثني رجل من آل عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف عن أبيه، قال: وقال وهب بن عبد قصي في ذلك- يعني في إطعام هاشم قومه الثريد:
تحمل هاشم ما ضاق عنه *** وأعيا أن يقوم به ابن بيض
أتاهم بالغرائر متأقات *** من أرض الشام بالبر النفيض
فأوسع أهل مكة من هشيم *** وشاب الخبز باللحم الغريض
فظل القوم بين مكللات *** من الشيزى وحائرها يفيض
قال: فحسده أمية بن عبد شمس بن عبد مناف- وكان ذا مال- فتكلف أن يصنع صنيع هاشم، فعجز عنه، فشمت به ناس من قريش فغضب، ونال من هاشم، ودعاه إلى المنافرة، فكره هاشم ذلك لسنه وقدره، ولم تدعه قريش وأحفظوه، قال: فإني أنافرك على خمسين ناقة سود الحدق، تنحرها ببطن مكة، والجلاء عن مكة عشر سنين فرضي بذلك أمية، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي، فنفر هاشما عليه، فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها من حضره، وخرج أمية إلى الشام، فأقام بها عشر سنين فكانت هذه أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية.
حدثني الحارث قال: حدثنا مُحَمَّد بن سعد، قال: أخبرنا هشام ابن محمد، قال: أخبرني رجل من بني كنانة، يقال له ابن أبي صالح، ورجل من أهل الرقة مولى لبني أسد، وكان عالما، قالا: تنافر عبد المطلب ابن هاشم وحرب بن أمية إلى النجاشي الحبشي، فأبى ان ينفر بينها، فجعل بينهما نفيل بْن عبد العزى بْن رياح بْن عبد اللَّه بْن قرط بْن رزاح بْن عدى ابن كعب، فقال لحرب: يا أبا عمرو، أتنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأعظم منك هامة، وأوسم منك وسامة، وأقل منك لامة، وأكثر منك ولدا، وأجزل منك صفدا، وأطول منك مذودا! فنفره عليه فقال حرب: إن من انتكاث الزمان أن جعلناك حكما! فكان أول من مات من ولد عبد مناف ابنه هاشم، مات بغزة من أرض الشام، ثم مات عبد شمس بمكة فقبر بأجياد، ثم مات نوفل بسلمان من طريق العراق، ثم مات المطلب بردمان من أرض اليمن، وكانت الرفادة والسقاية بعد هاشم إلى أخيه المطلب.