قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الرَّايَةَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ، وَيَتَرَدَّدُ بَعْضَ التَّرَدُّدِ، ثُمَّ قَالَ:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ … لَتَنْزِلِنَّ أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ
إنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشَدُّوا الرّنّه … مَا لي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ
قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ … هَلْ أَنْتِ إلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ
وَقَالَ أَيْضًا:
يَا نَفْسُ إلَّا تُقْتَلِي تَمُوتِي … هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيَتْ
وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتُ … إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيتُ
يُرِيدُ صَاحِبَيْهِ: زَيْدًا وَجَعْفَرًا، ثُمَّ نَزَلَ. فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ بِعَرْقٍ مِنْ لَحْمٍ فَقَالَ: شُدَّ بِهَذَا صُلْبَكَ، فَإِنَّكَ قَدْ لَقِيتُ فِي أَيَّامِكَ هَذِهِ مَا لَقِيتُ، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ انْتَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً، ثُمَّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النَّاسِ، فَقَالَ:
وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا! ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَتَقَدَّمَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.