لما بلغ قُريْشًا إكرام النَّجَاشِيّ للصحابة دهمهم ليل الْغَضَب وَمد عَلَيْهِم سَحَابَة فَكَتَبُوا على بني هَاشم كتابا يتَضَمَّن فصولا من الهجر …
وأبوابا، وعلقوا الصَّحِيفَة فِي جَوف الْكَعْبَة ثمَّ ألجأوهم إِلَى كل خطة صعبة وحصروهم فِي شعب أبي طَالب وظفروا بالحاضر وجدوا فِي تَحْصِيل الْغَائِب وَقَطعُوا عَنْهُم الْمَادَّة والميرة وَلم يرعوا حق صُحْبَة وَلَا جيرة وأخفوا بروقهم البواسم ومنعوهم من الْخُرُوج إِلَّا فِي المواسم وَلم يمكنوهم من الإنجاد والإتهام وَكَانَت مُدَّة إقامتهم فِيهِ ثَلَاثَة أَعْوَام.
ثمَّ اطلع الله رَسُوله على شَأْن الصَّحِيفَة وَأَن الأرضة أكلت مِنْهَا غير أَسمَاء الله الشَّرِيفَة فَلَمَّا بَلغهُمْ من أبي طَالب الْخَبَر كشفوا عَن الْأَمر فوجدوه كَمَا ذكر فسكنت ريحهم وخرس فصيحهم ثمَّ نقضت الصَّحِيفَة وَبَطل مَا فِيهَا من الْبُهْتَان وأخرجهم الله من الشّعب ونجاهم من أهل الظُّلم والعدوان وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو طَالب
أَلا أبلغا عني على ذَات بَيْننَا *** لؤيا وخصا من لؤَي بني كَعْب
ألم تعلما أَنا وجدنَا مُحَمَّدًا *** نَبيا كموسى خطّ فِي أول الْكتب
وَأَن الَّذِي لصقتم من كتابكُمْ*** لكم كَائِن يحسا كراعية الشّعب
أفيقوا أفيقوا قبل أَن يحْفر الثرى *** وَيُصْبِح من لم يجن ذَنبا كذي ذَنْب
وَلَا تتبعوا أَمر الوشاة وتقطعوا *** أواصرنا بعد الْمَوَدَّة والقرب
فلسنا وَرب الْبَيْت نسلم أحمدا *** لعزاء من عض الزَّمَان وَلَا كرب
ولسنا نمل الْحَرْب حَتَّى تملنا *** وَلَا نشتكي مَا قد يَنُوب من النكب
ولكننا أهل الحفائظ والنهى *** إِذا طَار أَرْوَاح الكماة من الرعب