سريّة خوّات بن جُبير الأنصاري إلى بني قُريظة
وفي ليلته أمسى خوّات بن جبير رضي الله عنه عند #~~~ثنية الوداع~~~# متجهًا لمنازل وحصون #~~~بني قريظة~~~# يُراقبهم ويتحين ثغرة في حصونهم فيرجع فيخبر بنها النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، فصلّى المغرب وانطلق فسار حوالي 6.5 كم في ساعة وربع تقريبًا حتى وصل عند حصون بني قُريظة، فاختبأ وجلس يرقبهم من بعيد، فذهب به النّوم، ولم يشعر إلا ورجل قد حمله على ظهره يسير به، وسمعه يرطن باليهوديّة يقول لزميله عند حصن بني قُريظة: “جئتكم بذبيحة سمينة”، ففُزع خوّات واستحضر كيف سيبرر للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم تضييعه هذه المُراقبة التي كلّفه بها، وأدرك أنّهم قاتلوه وممثلون بجثّته، فتذكّر أنّهم لا يخرجون إلا وهم يربطون في وسطهم معولًا، فأسرع خوّات فوضع يده على وسط الرّجل فوجد المعول فسحبه بسرعة والرّجل مشغول بالكلام مع زملائه فوق الحصن، فانقضّ به عليه فقتله، فأوقدت اليهود النّار بشُعل من سعف النّخل على الحصن وخرجوا يبحثون عن خوّات ويأخذون جثّة صاحبهم.
وانطلق خوّات رضي الله عنه يعدو سريعًا عائدًا من ذات الطّريق الذي جاء منه، ونزل جبريل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بما وقع مع خوّات، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «ظَفِرت يا خوّات»، وخرج صلى الله عليه وآله وسلَّم من خيمته فجلس إلى أصحابه فأخبرهم خبر خوّات وما حدث معه كما أخبره جبيل عليه السلام، وسار خوّات حوالي 6.5 كم في ساعة تقريبًا حتى وصل إلى النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وهو يتحدّث مع أصحابه، فلمّا رآه قال: «أفلح وجهك»، قال خوّات: “ووجهك يا رسول الله”، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أخبرني خبرك»، فقصّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصّحابة ما حدث معه، فقال النّبي صلى الله عليه وآله وسلم: «هكذا أخبرني جبريل»، وقال القوم: “هكذا حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم”.
غزوة الأحزاب (حصار الأحزاب للمدينة المنورة – اليوم الرابع)
واستمرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون يحرسون الخندق والأحزاب يحاصرونهم، وخرج نبّاش بن قيس اليهودي مع عشرة من يهود بني قريظة يتحيّنون أيّ ثغرة ينفذون منها للمدنيين الآمنين من النساء والأطفال أو من الخطوط الخلفية للمسلمين، فوصلوا إلى #~~~بقيع الغرقد~~~# فوجدوا مجموعة من فرسان الحراسات المسلمين يطوفون بالمدينة من مجموعة سلمة بن أسلم بن حريش، فتراشق الفريقان بالنِّبال، ثم هرب القريظيّون، وعلم قائد الحراسات سلمة بن أسلم بن حريش بما حدث وهو يطوف قريب من منازل بني حارثة، فجاء بمجموعته كاملة حتى وصلوا إلى حصون بني قُريظة، وأخذوا يطوفون حولها، فخاف اليهود، وجاء سلمة بن أسلم ومن معه فأوقدوا النّيران قريب من حُصون اليهود وهدموا بئرًا من آبارهم وطمروها، فلم يقدر أحد منهم على الخروج من الحصن وخافوا خوفًا شديدًا.
وفي ذات الوقت كان خالد بن الوليد يقود مائة فارس من المُشركين، قد جاءوا من ناحية #~~~وادي العقيق~~~# حتى وقفوا قريب من #~~~المذاد~~~# أمام موضع خيمة النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم عند #~~~معسكر الخندق~~~#، وعلى مُناوبة الحِراسة مُحمد بن مسلمة في مجموعته وفيهم جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، وعبّاد بن بِشر ومجموعته يحرسون خيمة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، وعبّاد بن بِشر قائم يصلي عند خيمة النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم.
وكانت مجموعة سلمة بن أسلم بن حريش رضي الله عنهم يطيفون بالمدينة لحراستها، فصعدوا فوق جبل سَلْع ينظرون، والنّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم نائم في خيمته وحولها عبّاد بن بشر ومن معه يحرسونها، يقول عبّاد بن بشر: “ونحن نسمع غطيطه”، فلمّا رأوا الخيل فوق جبل سَلْع فزع عبّاد وأخبر محمد بن مسلمة أن يصعد فينظر، فصعد محمد بن مسلمة وعبّاد بن بشر يقبض على سيفه عند خيمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليه، حتى رجع فقال: “خيل المسلمين يقودها سلمة بن أسلم بن حريش”، فعادوا لمواضعهم، يقول محمد بن مسلمة رضي الله عنه: “كان ليلنا في الخندق نهارًا حتى فرَّجَه الله”.
واقترب خالد بن الوليد والمشركون حتى كانوا أقرب ما يكونون من خيمة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وقال لمن معه: “هذه خيمة محمد، ارموا”، فرمى المُشركون بالنّبل والسّهام، وفيهم مهرة الرُّماة من العرب، وجاء محمد بن مسلمة مُسرعًا إلى عبّاد ومعه أمداد الحراسة، فقال لعبّاد وهو يُصلّي: “أُتيت” -يعني هوجمت-، فركع وسجد وأتمّ صلاته، ووقفت مجموعة محمد بن مسلمة تتصدّى للهجوم، وأنذروا النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فخرج من خيمته ولبس درعه ومغفره وركب فرسه يوجّه المسلمين، فرمى حبّان بن العرقة -من المشركين- سهمًا وهو يقول: “خُذها وأنا ابن العرِقة”، فأصاب أَكْحَل -وهو وريد كبير في الذّراع- سعد بن مُعاذ رضي الله عنه إصابة بليغة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «عرّق الله وجهك في النّار».
وكثرت الإصابات في المسلمين وفي المشركين، ثم سار خالد بمن معه بحذاء الخندق مبتعدين عن مرمى محمد بن مسلمة ومن معه، فتابعهم محمد بن مسلمة ومن معه وهو يخبر كل مجموعة حراسة ثابتة بوجودهم كلّما مرّ على إحداها ليتأهبوا لأيّ هجوم جديد، حتى وصل خالد بن الوليد بكتيبة المُشركين عند #~~~راتج~~~# من الناحية الأخرى للخندق، فوقفوا وقفة طويلة ينتظرون فُرصة هجوم بني قُريظة من الخلف فيهجموا من الأمام، ومحمد بن مسلمة ومن معه في الناحية الداخليّة.
وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بمعالجة جُرح سعد بن معاذ فكُويَ له، وقال رضي الله عنه حين أحسّ باقتراب أجله: “اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك صلى الله عليه وآله وسلم وكذبوه وأخرجوه، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة، ولا تمتني حتى تشفيني من بني قريظة -وكانوا حُلفائه ومواليه قبل أن يخونوا العهد ويغدروا بالمسلمين-”.
وكان سلمة بن أسلم بن حريش رضي الله عنه و معه مجموعة من الفرسان قد أحبطوا لتوّهم محاولة هجوم اليهود على المدينة وأطراف الجيش، فوصلوا عند راتِج واستداروا فخرجوا من بين المزارع إلى الجانب الآخر من الخندق والتحموا بكتيبة خالد بن الوليد وجرى بينهم قتال مُدّة يسيرة، فهرب خالد وكتيبته وتتبعه سلمة ومن معه حتى تأكدوا من ابتعادهم عن الخندق من خارجه، فأحبطوا مُخطَّط الكمّاشة الذي حاول خالد ويهود بني قُريظة تنفيذه.
وفي الصباح سخرت قُريش وغطفان من خالد وقالوا له: “ما صنعت شيئًا في الخندق ولا فيمن برز لك منهم” -يعني طليعتك فاشلة فشل ذريع ولم نستفد منها شيئًا-، فقال خالد: “أنا أقعد الليلة وابعثوا خيلًا حتى أنظر أيّ شيء تصنع”، وغربت الشَّمس والأحزاب في غيظ وعجز عن التعامل مع هذه الحيلة الحربيّة المُحيّرة التي شلّت تفكيرهم (الخندق).
ووصل الخبر إلى أُم سعد بن مُعاذ رضي الله عنهما بإصابته فقالت: “وا جَبَلاه!”.
وأرسلت أم عامر الأشهليّة طبق كبير قد صنعت فيه حيسًا [^1] إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في خيمته عند أم سلمة، فأكلت أمّ سلمة رضي الله عنها وشبعت، ثم خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بالبقيّة فأمر من يُنادي إلى طعام العشاء، فأكل أهل الخندق منها أرسالًا، وهي كما هي لم تنقص!
[^1]: الحَيْس فتّة حُلوة من التمر المخلي من النّوى، والسمن واللبن الرائب المجفف والدّقيق.