قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ،…
وَتَرَادَّ بَهْ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ لِمَا كَانَ فِيهِ، قَوْلُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَرْحَمُهُ اللَّهُ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا وَنَقِيضَتَهَا-:
أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مِنْ عَجْبِ الدَّهْرِ … وَلِلْحَيْنِ أَسِبَابٌ مُبَيَّنَةُ الْأَمْرِ
وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ قَوْمًا أَفَادَهُمْ … فَحَانُوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ وَبِالْكُفْرِ
عَشِيَّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ … فَكَانُوا رُهُونًا لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ
وَكُنَّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا … فَسَارُوا إِلَيْنَا فالتقنا عَلَى قَدْرِ
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيَّةٌ … لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالْمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ
وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِي الْهَامَ حَدُّهَا … مُشْهِرَةُ الْأَلْوَانِ بَيِّنَةُ الْأُثُرِ
وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَةَ الْغَيَّ ثَاوِيًا … وَشَيْبَةَ فِي الْقَتْلَى تَجْرَجَمُ فِي الْجَفْرِ
وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ … فَشُقَّتْ جُيُوبُ النَّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو
جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ … كِرَامٍ تَفَرَّعْنَ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرِ
أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتِّلُوا فِي ضَلَالِهِمْ … وَخَلَّوْا لِوَاءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النَّصْرُ
لِوَاءُ ضَلَالٍ قَادَ إبْلِيسُ أَهْلَهُ … فَخَاسَ بِهِمْ، إنَّ الْخَبِيثَ إلَى غَدْرِ
وَقَالَ لَهُمْ، إذْ عَايَنَ الْأَمْرَ وَاضِحًا … بَرِئْتُ إلَيْكُمْ مَا بِي الْيَوْمَ مِنْ صَبْرِ
فَإِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَإِنَّنِي … أَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ وَاَللَّهُ ذُو قَسْرِ
فَقَدَّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتَّى تَوَرَّطُوا … وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرْ الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ
فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفًا وَجَمْعُنَا … ثَلَاثُ مِئِينٍ كَالْمُسْدَمَةِ الزُّهْرِ
وَفِينَا جُنُودُ اللَّهِ حَيْنَ يُمِدُّنَا … بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثُمَّ مُسْتَوْضَحِ الذِّكْرِ
فَشَدَّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا … لَدَى مَأْزِقٍ فِيهِ مَنَايَاهُمْ تَجْرِي
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ:
أَلَا يَا لِقَوْمِي لِلصَّبَابَةِ وَالْهَجْرِ … وَلِلْحُزْنِ مِنِّي وَالْحَرَارَةِ فِي الصَّدْرِ
وَلِلدَّمْعِ مِنْ عَيْنَيَّ جُودَا كَأَنَّهُ … فَرِيدٌ هَوَى مِنْ سِلْكِ نَاظِمِهِ يَجْرِي
عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشَّمَائِلِ إذْ ثَوَى … رَهِينَ مَقَامٍ لِلرَّكِيَّةِ مِنْ بَدْرِ
فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو مِنْ ذِي قُرَابَةٍ … وَمِنْ ذِي نِدَامٍ كَانَ ذَا خُلُقٍ غَمْرِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صَادَفُوا مِنْكَ دَوْلَةً … فَلَا بُدَّ لِلْأَيَّامِ مِنْ دُوَلِ الدَّهْرِ
فَقَدْ كُنْتَ فِي صَرْفِ الزَّمَانِ الَّذِي مَضَى … تُرِيهِمْ هَوَانًا مِنْكَ ذَا سُبُلٍ وَعْرِ
فَإِلَّا أَمُتْ يَا عَمْرو أتركك ثَائِرًا … وَلَا أُبْقِ بُقْيَا فِي إخَاءٍ وَلَا صِهْرِ
وَأَقْطَعُ ظَهْرًا مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرٍ … كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَطَعُوا ظَهْرِي
أَغَرَّهُمْ مَا جَمَّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ … وَنَحْنُ الصَّمِيمُ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ فِهْرِ
فِيَالَ لُؤَيٍّ ذَبِّبُوا عَنْ حَرِيمِكُمْ … وَآلِهَةٍ لَا تَتْرُكُوهَا لِذِي الْفَخْرِ
تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وَوَرِثْتُمْ … أَوَاسِيَّهَا وَالْبَيْتَ ذَا السَّقْفِ وَالسِّتْرِ
فَمَا لِحَلِيمٍ قَدْ أَرَادَ هَلَاكَكُمْ … فَلَا تَعْذِرُوهُ آلَ غَالِبٍ مِنْ عُذْرٍ
وَجِدُّوا لِمِنْ عَادَيْتُمْ وَتَوَازَرُوا … وَكُونُوا جَمِيعًا فِي التَّأَسِّي وَفِي الصَّبْرِ
لَعَلَّكُمْ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمْ … وَلَا شَيْءَ إنَّ لَمْ تَثْأَرُوا بِذَوِي عَمْرِو
بِمُطَّرِدَاتِ فِي الْأَكُفِّ كَأَنَّهَا … وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ بَيِّنَةَ الْأُثْرِ
كَأَنَّ مُدِبَّ الذَّرِّ فَوْقَ مُتُونِهَا … إذَا جُرِّدَتْ يَوْمًا لِأَعْدَائِهَا الْخُزْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبْدَلْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ كَلِمَتَيْنِ مِمَّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ، وَهُمَا «الْفَخْرُ» فِي آخر الْبَيْت، و «فَمَا لِحَلِيمِ» ، فِي أَوَّلِ الْبَيْتِ، لِأَنَّهُ نَالَ فِيهِمَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يَعْرِفُهَا وَلَا نَقِيضَتَهَا، وَإِنَّمَا كَتَبْنَاهُمَا لِأَنَّهُ يُقَالُ: إنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْقَتْلَى، وَذَكَرَهُ فِي هَذَا الشِّعْرِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَبْلَى رَسُولَهُ … بَلَاءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارِ وَذِي فَضْلٍ
بِمَا أَنْزَلَ الْكُفَّارَ دَارَ مَذَلَّةٍ … فَلَاقَوْا هَوَانَا مِنْ إسَارٍ وَمِنْ قَتْلِ
فَأَمْسَى رَسُولُ اللَّهِ قَدْ عَزَّ نَصْرُهُ … وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ أُرْسِلَ بِالْعَدْلِ
فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ مِنْ اللَّهِ مُنْزَلٍ … مُبَيَّنَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي الْعَقْلِ
فَآمَنَ أَقْوَامٌ بِذَاكَ وَأَيْقَنُوا … فَأَمْسَوْا بِحَمْدِ اللَّهِ مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ
وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ … فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ خَبْلًا عَلَى خَبْلُ.
وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَهُ … وَقَوْمًا غِضَابًا فِعْلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ
بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا … وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالْجِلَاءِ وَبِالصَّقْلِ
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ نَاشِئٍ ذِي حَمِيَّةٍ … صَرِيعًا وَمِنْ ذِي نَجْدَةٍ مِنْهُمْ
كَهْلِ تَبِيتُ عُيُونُ النَّائِحَاتِ عَلَيْهِمْ … تَجُودُ بِأَسْبَالِ الرَّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ
نَوَائِحَ تَنْعَى عُتْبَةَ الْغَيَّ وَابْنَهُ … وَشَيْبَةَ تَنْعَاهُ وَتَنْعَى أَبَا جَهْلٍ
وَذَا الرَّجُلِ تَنْعَى وَابْنَ جُدْعَانَ فِيهِمْ … مُسَلِّبَةً حَرَّى مُبَيَّنَةَ الثُّكْلِ
ثَوَى مِنْهُمْ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ … ذَوِي نَجَدَاتٍ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْلِ
دَعَا الْغَيُّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا فَأَجَابَهُ … وَلِلْغَيِّ أَسِبَابٌ مُرَمَّقَةُ الْوَصْلِ
فَأَضْحَوْا لَدَى دَارِ الْجَحِيمِ بِمَعْزِلٍ … عَنْ الشَّغْبِ وَالْعُدْوَانِ فِي أَشْغَلْ الشُّغْلِ
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ:
عَجِبْتُ لِأَقْوَامٍ تَغَنَّى سَفِيهُهُمْ … بِأَمْرٍ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ وَذِي بُطْلٍ
تَغَنَّى بِقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ تَتَابَعُوا … كِرَامِ الْمَسَاعِي مِنْ غُلَامٍ وَمِنْ كَهْلٍ
مَصَالِيتَ بِيضٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ … مَطَاعِينَ فِي الْهَيْجَا مَطَاعِيمَ فِي الْمَحْلِ
أُصِيبُوا كِرَامًا لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً … بِقَوْمِ سِوَاهُمْ نَازِحِي الدَّارِ وَالْأَصْلِ
كَمَا أَصْبَحَتْ غَسَّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً … لَكُمْ بَدَلًا مِنَّا فِيَا لَكَ مِنْ فِعْلِ
عُقُوقًا وَإِثْمًا بَيِّنًا وَقَطِيعَةً … يَرَى جوركم فِيهَا ذُو والرأى وَالْعَقْلِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ … وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا يَكُونُ مِنْ الْقَتْلِ
فَلَا تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ … لَكُمْ كَائِنٌ خَبْلًا مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ
فَإِنَّكُمْ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ … شَتِيتًا هَوَاكُمْ غَيْرُ مُجْتَمِعِي الشَّمْلِ
بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فِعَالُهُ … وَعُتْبَةُ وَالْمَدْعُوُّ فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ
وَشَيْبَةَ فِيهِمْ وَالْوَلِيدَ وَفِيهِمْ … أُمَيَّةَ مَأْوَى الْمُعْتَرِينَ وَذُو الرِّجْلِ
أُولَئِكَ فَابْكِ ثُمَّ لَا تَبْكِ غَيْرَهُمْ … نَوَائِحُ تَدْعُو بِالرَّزِيَّةِ وَالثُّكْلِ
وَقُولُوا لِأَهْلِ الْمَكَّتَيْنِ تَحَاشَدُوا … وَسِيرُوا إلَى آطَامِ يَثْرِبَ ذِي النَّخْلِ
جَمِيعًا وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وَذَبِّبُوا … بِخَالِصَةِ الْأَلْوَانِ مُحْدَثَةِ الصَّقْلِ
وَإِلَّا فَبُيِّتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا … أَذَلَّ لِوَطْءِ الْوَاطِئِينَ مِنْ النَّعْلِ
عَلَى أَنَّنِي وَاللَّاتِ يَا قَوْمُ فَاعْلَمُوا … بِكَمْ وَاثِقٌ أَنْ لَا تُقِيمُوا عَلَى تَبْلِ
سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسَّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا … وَلِلْبَيْضِ وَالْبِيضِ الْقَوَاطِعِ وَالنَّبْلِ
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، فِي يَوْمِ بَدْرٍ:
عَجِبْتُ لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرٌ … عَلَيْهِمْ غَدًا وَالدَّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ
وَفَخْرُ بَنِي النَّجَّارِ إنْ كَانَ مَعْشَرٌ … أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلُّهُمْ ثَمَّ صَابِرُ
فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا … فَإِنَّا رِجَالٌ بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ
وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسَطكُمْ … بَنِي الْأَوْسِ حَتَّى يَشْفِي النَّفْسَ ثَائِرٌ
وَوَسْطَ بَنِي النَّجَّارِ سَوْفَ نَكُرُّهَا … لَهَا بالقنا وَالدَّار عين زَوَافِرُ
فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطَّيْرُ حَوْلَهُمْ … وَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا الْأَمَانِيُّ نَاصِرُ
وَتَبْكِيهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ … لَهُنَّ بِهَا لَيْلٌ عَنْ النَّوْمِ سَاهِرُ
وَذَلِكَ أَنَّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا … بِهِنَّ دَمٌ مِمَّنْ يُحَارَبْنَ مَائِرُ
فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنَّمَا … بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدُّكُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ
وَبِالنَّفَرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ … يُحَامُونَ فِي الَّلأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ
يُعَدُّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهِمْ … وَيُدْعَى عَلِيٌّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ
وَيُدْعَى أَبُو حَفْصٍ وَعُثْمَانُ مِنْهُمْ … وَسَعْدٌ إذَا مَا كَانَ فِي الْحَرْبِ حَاضِرُ
أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتَّجَتْ فِي دِيَارِهَا … بَنُو الْأَوْسِ وَالنَّجَّارِ حَيْنَ تُفَاخِرُ
وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ … إذَا عُدَّتْ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ وَعَامِرُ
هُمْ الطَّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلِّ مَعْرَكٍ … غَدَاةَ الْهِيَاجِ الْأَطْيَبُونَ الْأَكَاثِرُ
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَقَالَ:
عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَاَللَّهُ قَادِرٌ … عَلَى مَا أَرَادَ، لَيْسَ للَّه قَاهِرُ
قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ مَعْشَرًا … بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْي بِالنَّاسِ جَائِرُ
وَقَدْ حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مِنْ يَلِيهِمْ … مِنْ النَّاسِ حَتَّى جَمْعُهُمْ مُتَكَاثَرُ
وَسَارَتْ إلَيْنَا لَا تُحَاوِلُ غَيْرَنَا … بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا وَعَامِرُ
وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ وَالْأَوْسُ حَوْلَهُ … لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيزٌ وَنَاصِرُ
وَجَمْعُ بَنِي النَّجَّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ … يُمَشَّوْنَ فِي الْمَاذِيَّ وَالنَّقْعُ ثَائِرُ
فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وَكُلٌّ مُجَاهِدٌ … لِأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النَّفْسِ صَابِرُ
شَهِدْنَا بِأَنَّ اللَّهَ لَا رَبَّ غَيْرُهُ … وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بِالْحَقِّ ظَاهِرُ
وَقَدْ عُرِّيَتْ بِيضٌ خِفَافٌ كَأَنَّهَا … مَقَابِيسُ يُزْهِيهَا لِعَيْنَيْكَ شَاهِرُ
بِهِنَّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدَّدُوا … وَكَانَ يُلَاقِي الْحَيْنَ مَنْ هُوَ فَاجِرُ
فَكُبَّ أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ … وَعُتْبَةُ قَدْ غَادَرْنَهُ وَهُوَ عَاثِرُ
وَشَيْبَةُ وَالتَّيْمِيُّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى … وَمَا مِنْهُمْ إلَّا بِذِي الْعَرْشِ كَافِرُ
فَأَمْسَوْا وَقُودَ النَّارِ فِي مُسْتَقَرِّهَا … وَكُلُّ كَفَوْرٍ فِي جَهَنَّمَ صَائِرُ
تَلَظَّى عَلَيْهِمْ وَهِيَ قَدْ شَبَّ حَمْيُهَا … بِزُبَرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ قَالَ أَقْبِلُوا … فَوَلَّوْا وَقَالُوا: إِنَّمَا أَنْتَ سَاحِرُ
لِأَمْرِ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَهْلَكُوا بِهِ … وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللهُ زَاجِرُ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبْعَرَى السَّهْمِيُّ يَبْكِي قَتْلَى بدر:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِلْأَعْشَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ النَّبَّاشِ، أَحَدُ بَنِي أُسَيْدِ ابْن عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ:
مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ … مِنْ فِتْيَةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ كِرَامٍ
تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ وَمُنَبِّهًا … وَابْنَيْ رَبِيعَةَ خَيْرَ خَصْمٍ فِئَامِ
وَالْحَارِثَ الْفَيَّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ … كَالْبَدْرِ جَلَّى لَيْلَةَ الْإِظْلَامِ
وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبِّهٍ ذَا مِرَّةٍ … رُمْحًا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي أَوْصَامِ
تَنَمَّى بَهْ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ … وَمَآثِرُ الْأَخْوَالِ وَالْأَعْمَامِ
وَإِذَا بَكَى بَاكٍ فَأَعْوَلَ شَجْوَهُ … فَعَلَى الرَّئِيسِ الْمَاجِدِ ابْنِ هِشَامِ
حَيَّا الْإِلَهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ … رَبَّ الْأَنَامِ، وَخَصَّهُمْ بِسَلَامِ
فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ:
ابْكِ بَكَتْ عَيْنَاكَ ثُمَّ تَبَادَرَتْ … بِدَمِ تُعَلُّ غُرُوبُهَا سَجَّامِ
مَاذَا بَكَيْتَ بِهِ الَّذِينَ تَتَايَعُوا … هَلَّا ذَكَرْتَ مَكَارِمَ الْأَقْوَامِ
وَذَكَرْتَ مِنَّا مَاجِدًا ذَا هِمَّةٍ … سَمْحَ الْخَلَائِقِ صَادِقَ الْإِقْدَامِ
أَعْنِي النَّبِيَّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنَّدَى … وَأَبَرَّ مَنْ يُولَى عَلَى الْإِقْسَامِ
فَلِمِثْلِهِ وَلِمِثْلِ مَا يَدْعُو لَهُ … كَانَ الْمُمَدَّحَ ثَمُّ غَيْرُ كَهَامِ