بَعثه الله لأربعين سنة من عمره وزين آفَاق النُّبُوَّة بضوء قمره وأتحفه بالكرامة وَألقى عَلَيْهِ مقاليد الزعامة وبدىء من الْوَحْي بالرؤيا الصادقة …
وغدت نَفسه إِلَى الْخلْوَة فِي حراء وامقة فَكَانَ يُقيم فِي غاره اللَّيَالِي ذَات الْعدَد وَلم يزل حَتَّى فَجْأَة الْحق من الْفَرد الصَّمد ثمَّ ظهر لَهُ جِبْرِيل وبشره بالرسالة وأفاض عَلَيْهِ من قبل الله ملابس الْجَلالَة وتلطف بِهِ ليفرق بَينه وَبَين الْفرق وَأخرج لَهُ كتابا فِي نمط وَقَالَ لَهُ {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] ثمَّ ضرب بِرجلِهِ الأَرْض فتفجرت بِالْعينِ فَعلمه الْوضُوء وَأمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرف وَمضى وَتَركه مُقيما فِي روض الرضى وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ لسبع عشرَة خلت من رَمَضَان وَملك الْفرس يَوْمئِذٍ أبرويز بن هُرْمُز بن كسْرَى أنو شرْوَان وَلما بدىء بِالنُّبُوَّةِ وَنزل جِبْرِيل إِلَيْهِ كَانَ لَا يمر بِحجر وَلَا شجر إِلَّا سلم عَلَيْهِ.
وَأقَام يَدْعُو إِلَى الله سرا ثَلَاث سِنِين إِلَى أَن أنزل عَلَيْهِ {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] فأظهر الدعْوَة وَثَبت أَرْكَان الهمة وَبلغ الرسَالَة وَأدّى الْأَمَانَة ونصح الْأمة
بعث المقفى من قُرَيْش رَحْمَة *** للْعَالمين وملجأ للنَّاس
وافاه جِبْرِيل وَأَقْبل نَحوه *** بِبِشَارَة الْإِكْرَام والإيناس
وَعَلِيهِ أسبل خلعة نبوية *** يمحو سناها ظلمَة الأغلاس
أكْرم بِهِ من مُرْسل آيَاته *** مَشْهُودَة يَوْم الندى والباس