وقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على الذين قتلوا القراء أصحاب بئر معونة.
ثم غزا صلى الله عليه وسلم غزوة ذات الرقاع، وهي [غزوة نجد] فخرج في جمادى الأولى من هذه السنة الرابعة …
يريد محارب وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري.
فسار حتى بلغ نخلاً، فلقي جمعاً من غطفان فتوقفوا، ولم يكن بينهم قتال، إلا أنه صلى يومئذ صلاة الخوف فيما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل السير، وقد استشكل لأنه قد جاء في رواية الشافعي وأحمد والنسائي عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم حبسه المشركون يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعاً، وذلك قبل نزول صلاة الخوف، قالوا وإنما نزلت صلاة الخوف بعسفان كما رواه أبو عياش الزرقي قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فصلى بنا الظهر، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد.
فقالوا: لقد أصبنا منهم غفلة، ثم قالوا: إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم فنزلت ـ يعني صلاة الخوف ـ بين الظهر والعصر.
فصلى بنا العصر ففرقنا فريقين.. وذكر الحديث.
أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلاً بين ضجنان وعسفان، محاصراً المشركين، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وإبكارهم، أجمعوا أمركم ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة.
فجاء جبريل عليه السلام فأمره أن يقسم أصحابه نصفين …
وذكر الحديث.
رواه النسائي والترمذي وقال: حسن صحيح.
وقد علم بلا خلاف أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق، فاقتضى هذا أن ذات الرقاع بعدها، بل بعد خبير، ويؤيد ذلك أن أبا موسى الأشعري وأبا هريرة رضي الله عنهما شهدها، أما أبو موسى الأشعري ففي الصحيحين عنه أنه شهد غزوة ذات الرقاع، وأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لما نقبت، فسميت بذلك، فأما أبا هريرة فعن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة: هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال: نعم.
قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد وذكر صفة من صفات صلاة الخوف، أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وقد قال بعض أهل التاريخ: إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة واحدة كانت قبل الخندق وأخرى بعدها، قلت: إلا أنه لا يتجه أنه صلى في الأولى صلاة الخوف إن صح حديث أنها إنما فرضت في عسفان.
وقد ذكروا أنه كانت من الحوادث في هذه الغزوة قصة جمل جابر وبيعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك نظر، لأنه جاء أن ذلك كان في غزوة تبوك، إلا أن هذا أنسب لما أنه كان قد قتل أبوه في أحد، وترك الأخوات، فاحتاج أن يتزوج سريعاً من يكفلهن له.
ومنها حديث جابر أيضاً في الرجل الذي سبوا امرأته فحلف ليهريقن دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فجاء ليلاً ـ وقد أرصد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين ربيئة للمسلمين من العدو، وهما عباد بن بشر وعمار بن ياسر رضي الله عنه ـ فضرب عباداً بن بشر بسهم وهو قائم يصلي، فنزعه ولم يبطل صلاته، حتى رشقه بثلاثة أسهم، فلم ينصرف منها حتى سلم، وأنبه صاحبه، فقال: سبحان الله هلا أنبهتني؟ ! فقال: إني كنت في سورة فكرهت أن أقطعها.
وهذا كان في غزوة ذات الرقاع، إلا أنها التي بعد الخندق كما أخرجاه في الصحيحين، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع، قال: كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة، فأخذ السيف، فاخترطه، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتخافني؟ قال: «لا»، قال فمن يمنعك مني؟ قال: «الله».
قال: فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأغمد السيف وعلقه، قال: فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكانت لرسول الله أربع ركعات، وللقوم ركعتان .
واللفظ لمسلم.