غزوة بدر الكُبرى
وفي ليلته أمسى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتحلًا في عودته من غزوة بدر، وقد نصرهم الله نصرًا مبينًا بالرغم من عدم التكافؤ بين…
الجيشين وقلَّة الجيش المسلم عددًا وعُدَّة، ووصل صلى الله عليه وآله وسلم عند #~~~غرب مضيق الصفراء~~~# فوقفوا للاستراحة وصلّوا به المغرب والعشاء وباتوا أوَّل الليل قبل إكمال المسير، ثم ساروا شرقًا في مضيق الصفراء حوالي 18 كم في ثلاث ساعات ونصف تقريبًا حتى خرجوا من المضيق في #~~~وادي رحقان~~~# عند وقت الفجر تقريبًا، فصلّوا به الصبح أو قريبًا منه.
ونزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كثيب عند #~~~سير إلى سرحة~~~# فقسَّم غنائم بدر بعد أن أخرج منها الخُمس، فوزَّعها بالتساوي على من شارك في المعركة ومن أشركه في الغنيمة ولم يحضر لمهمة كلفه بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مثل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد أمره أن يبقى بالمدينة مع زوجته رُقيَّة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ كانت مريضة مرض الموت، وكأبي لبابة، ردَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من #~~~الروحاء~~~# وجعله حاكما مؤقتًا على المدينة لحين رجوعه صلى الله عليه وآله وسلَّم.
وكان زيد بن حارثة وعبد الله بن روَّاحة قدّمهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأُثَيْل ليلة الاثنين ليبشِّرا أهل المدينة وأهل قُباء، فسارا الليل والنهار قاطعين حوالي 150 كم في يومين إلا ربع تقريبًا، فوصلا اليوم حين اشتد الضُّحى، وقد افترقا عند #~~~وادي العقيق~~~# فدخل ابن روَّاحة إلى قُباء ينادي “يا معشر الأنصار، أبشروا بسلامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقتل المشركين وأسرهم، قتل ابنا ربيعة، وابنا الحجّاج، وأبوجهل وزمعة بن الأسود وأميَّة بن خلف وأُسِرَ سُهيل بن عمرو” وهو يمر على ديار الأنصار يبشّرهم والصبيان ينشدون معه يقولون: “قتل أبو جهل الفاسق”، فقام إليه عاصم بن عدي الأنصاري فأخذ ابن روَّاحة جانبًا وسأله غير مُصَدِّق : “أحقًا يا ابن روَّاحة؟؟”، فقال: “إي والله وغدًا يقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأسرى مقرنين!”، ووصل زيد بن حارثة إلى المدينة المنوَّرة ودخل عند المسجد النبوي الشريف وهو يصيح “قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وقتل أمية بن خلف، وأبو جهل، وأبو البختري وزمعة بن الأسود وأسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في أسرى كثير”، وبعض الناس لا يصدقون زيدًا، ويقول المنافقون: “هذا زيد بن حارثة على ناقة محمد القصواء نعرفها، وإنما جاء زيد منهزمًا لا يدري ما يقول من الرعب!”، حتى قال رجل من المنافقين لأسامة بن زيد -وكان أسامة شابًا صغير السن-:”قُتل صاحبكم من معه؟”، وقال آخر لأبي لبابة: “قد تفقرّق أصحابكم تفرقًا لا يجتمعون فيه أبدًا، وقد قتل علية أصحابه وقتل محمد وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب وجاء منهزمًا”، فقال أبو لبابة: “يكذّب الله قولك”، وقالت اليهود: “ما جاء زيد إلا منهزمًا”.
فذهب أسامة إلى أبيه زيد بن حارثة وانفرد به، وقال: “أحق ما تقول؟”، قال زيد: “إي والله حق ما أقول يا بُنَيّ”، فتقّوى أسامة وذهب لذلك المنافق وقال: “أنت المرجف برسول الله وبالمسلمين، لنقدمنك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قَدِم فليضرب عنقك”، فقال المنافق: “إنما هو شيء سمعته من الناس يقولونه!”[^1].
وكان الخبر قد وصل إلى أسامة بن زيد وعثمان بن عفان رضي الله عنهما اليوم بسلامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتصاره على عدوه وقد دفنوا لتوهم رُقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجة عثمان بن عفّان بالبقيع وكانت مريضة عليها السلام فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عثمان وأسامة أن يبقيا في تمريضها ولا يخرجا معه لبدر.
وانطلق الناس من أهل المدينة المنوَّرة ممن لم يحضر بدرًا مسارعين لتهنئة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاطمئنان عليه في منتصف الطريق، وكان منهم أسيد بن حضير رضي الله عنه.
وبقي النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم نهار اليوم عند منطقة “سير إلى سرحة” حتَّى قسَّم الغنائم، وصلّى بالمسلمين الصلوات، وغربت الشمس وهو عنده.
[^1]: ترديد الشر ونشر الإشاعات من سمات المنافقين في كل عصر، وحجّتهم في ذلك كما ذكر ذلك المُنافق خائبة سخيفة، وهي أنه: “سمع الناس يقولون ذلك”!، وهذا مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: “كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما سمع”، وقال: “آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب…الحديث”.