قال أبو محمد علي بن أحمد رحمه الله تعالى: لم يشهد عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة الثقفيان يوم حنين، ولا حصار الطائف، كانا بجرش، يتعلمان صنعة المجانيق والدبابات …
فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه من الجعرانة إلى الطائف على نخلة اليمانية، ثم على قرن، ثم على المليح، ثم على بحرة الرغاء من لية ، فابتنى بها صلى الله عليه وسلم مسجداً، فصلى فيه.
وذكر أن رجلاً من بني هذيل ببحرة الرغاء حين نزلها طالب بدم، فأقاده صلى الله عليه وسلم.
وكان بالمكان المذكور حصن لمالك بن عوف النصري، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمه، فهدم.
ثم سلك الطريق من بحرة الرغاء، فسأل عن اسمها، فقيل له: الضيقة، فقال: بل هي اليسرى، ثم نزل تحت سدرة يقال لها: الصادرة، بقرب مال رجل من ثقيف، فتمنع الرجل منه في أطمه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدم ماله، فهدم وأخرب.
ثم نزل بقرب الطائف، فتحصنت منه ثقيف، وحاربهم المسلمون، فأصيب من المسلمين رجال بالنبل، فزال عن ذلك المنزل إلى موضع المسجد المشهور اليوم، وكان وادياً يقال له: العقيق، فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، ويقال: بل بضع عشرة ليلة، وهو صحيح بلا شك. وكان معه امرأتان من نسائه، إحداهما أم سلمة.
فموضع المسجد اليوم بين منزلهما، في موضع مصلاه صلى الله عليه وسلم. وتولى بنيان ذلك المسجد عمرو بن أمية بن وهب بن مالك الثقفي.
ورماهم صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق، ثم دخل نفر من المسلمين تحت دبابة ودنوا من سور الطائف، فصب عليهم أهل الطائف سكك الحديد المحماة، ورموا بالنبل، فأصابوا منهم قوماً.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب أهل الطائف، واسترحمه ابن مسعود في ماله، وكان بعيداً عن الطائف، فكف عن قطعه.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحل عن الطائف، وحينئذ نزل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسلم، وعبيد من أهل الطائف؛ قيل: إن الأزرق، والد نافع بن الأزرق صاحب الأزارقة، منهم.
واستشهد على الطائف:
سعيد بن سعيد بن العاصي بن أمية.
وعرفطة بن جناب، حليف لبني أمية من الأزد.
وعبد الله بن أبي بكر الصديق، أصابه سهم، فاستمر منه مريضا حتى مات منه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبيه.
وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي، أخو أم سلمة، أم المؤمنين.
وعبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي ، حليف بني عدب بن كعب.
والسائب بن الحارث بن قيس بن عدي.
وأخوه: عبد الله بن الحارث، السهميان.
وجليجة بن عبد الله، من بني سعد بن ليث.
وثابت بن الجذع، من بني سلمة من الأنصار.
والحارث بن سهل بن أبي صعصعة، من بني مازن بن النجار.
والمنذر بن عبد الله، من بني ساعدة.
ومن الأوس:
رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية.
وكان بجير بن زهير بن أبي سلمى، الشاعر ابن الشاعر، حسن الإسلام، ممن شهد حنيناً والطائف.
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة، وأتاه هناك وفد هوازن مسلمين راغبين، فحيرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عيالهم وأبنائهم وبين أموالهم، فاختاروا عيالهم وأبناءهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلموا المسلمين في ذلك، ففعلوان فقال صلى الله عليه وسلم: ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم. وقال المهاجرون والأنصار: أما ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وامتنع الأقرع بن حابس وعيينه بن حصن عن أن يردا عليهم ما وقع لهما من الفئ، وساعدهما قومهما.
وامتنع العباس بن مرداس السلمي، فطمع أن يساعده قومه بنو سليم، فأبوا: بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فرد عليهم صلى الله عليه وسلم نساءهم وأبناءهم، وعوض من لم تطب نفسه بترك نصيبه أعواضاً رضوا بها.
وكان عدد سبي هوازن ستة آلاف إنسان، منهم الشيماء أخت النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وهي بنت الحارث بن عبد العزى، من بني سعد بن بكر بن هوازن، فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاها وأحسن إليها، ورجعت إلى بلادها مختارة لذلك.
وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال بين المسلمين، ثم أعطى من نصيبه من الخمس المؤلفة قلوبهم ؛ وهم: أبو سفيان بن حرب ابن أمية، وابنه معاوية، وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، والحارث بن الحارث بن كلدة أخو بني عبد الدار، وقد قال بعضهم: الحارث بن الحارث هذا من مهاجرة الحبشة، فإن صح ذلك فقد أعاذه الله تعالى من أن يكون من المؤلفة قلوبهم الذين أعطوا في هذه السبيل، وهو أخو النضر بن الحارث الذي ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنقه صبراً يوم بدر ، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى بن أبي قيس، والعلاء بن جارية الثقفي، حليف بن زهرة، وصفوان بن أمية الجمحي، وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، والأقرع بن حابس التميمي؛ أعطى كل واحد من هؤلاء مائة بعير.
وأعطي عباس بن مرداس السلمي أقل من ذلك، فقال شعراً يخاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتم له المائة. ومالك بن عوف النصري، وقد كان فر عن الطائف ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم. فهؤلاء أصحاب المئين.
وأعطى صلى الله عليه وسلم يومئذ عدي بن قيس بن حذافة السهمي خمسين من الإبل؛ وسعيد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل؛ ولمخرمة بن نوفل الزهري، وعمرو بن وهب الجمحي، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب أخي بني عامر ابن لؤي بأقل من مائة لكل واحد منهم.
وممن أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عدداً دون ذلك: طليق بن سفيان بن أمية بن عبد شمس، وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ابن عبد شمس، وشيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى وكان يذكر عن نفسه أنه أراد الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فتغشاه أمر لا يقدر على وصفه، قال: فعلمت أنه ممنوع من عند الله، وأبو النسابل بن بعكك بن حارثة بن عميلة بن السباق بن عبد الدار، وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة، أخو أم سلمة أم المؤمنين، وخالد بن هشام بن المغيرة المخزومي، وهشام بن الوليد، أخو خالد بن الوليد، وسفيان بن عبد الأسد ابن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، والسائب بن ابي السائب بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ومطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة، أخو بني عديب بن كعب، وابو جهم بن حذيفة بن غانم العدوي، وأحيحة بن أمية الجمحي، ونوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل، من بني بكر بن عبد مناة ابن كنانة، وعلقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصة، وخالد بن هوذة بن خالد – الملقب بالحلس – ابن ربيعة بن عمرو، فارس الضحياء ، بن عامر بن ربيعة ابن عامر بن صعصة، وأخوه: حرملة بن هوذة.
فكان لشباب الأنصار في ذلك كلام لم يرض بن أشياخهم ولا خيارهم، فذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعمة الله تعالى عليهم بالإسلام، وبه عليه الصلاة والسلام، وأنه إنما أعطى قوماً حديثي عهد بالإسلام وبمصيبة، يتألفهم على الإسلام، فرضوا، رضوان الله عليهم .
وذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم جعيل بن سراقة الضمري، وأنه لم يعطه شيئاً، فأخبر أنه خير من طلاع الأرض مثل عيينة ، لست بقين لذي القعدة.
وكانت قصة الطائف في ذي القعدة من السنة الثامنة من الهجرة.
وكانت مدة غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ خرج من المدينة إلى مكة فافتتحها وأوقع بهوازن وحارب الطائف إلى أن رجع إلى المدينة شهرين وستة عشر يوماً.
واستعمل صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع النصرى، وهو الذي كان رئيس الكفار يوم حنين، على من أسلم من قومه، ومن سلمة، وفهم، وثمالة. وأمره صلى الله عليه وسلم بمغاورة ثقيف ففعل، وضيق عليهم، وحسن إسلامه وإسلام من معه وإسلام جميع المؤلفة قلوبهم، حاشا عيينة بن حصن فلم يزل مغموزاً.
وكان المؤلفة قلوبهم – مع حسن إسلامهم – متفاضلين في الإسلام، منهم الفاضل المجتهد: كالحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام؛ وفيهم خيار دون هؤلاء: كصفوان بن أمية، وعمرو بن وهب، ومطيع ابن الأسود، ومعاوية بن ابي سفيان؛ وسائرهم لا نظن بهم إلا الخير.
وكان ممن أسلم، يوم الفتح وبعده، من الأشراف نظراء من ذكرنا، ووثق رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحة إيمانهم، وقوة نياتهم في الإسلام لله تعالى، فلم يدخلهم مدخل من أعطاه عكرمة بن ابي جهل، وعتاب بن أسيد بن ابي أمية، وجبير بن مطعم.
واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عتاب بن أسيد؛ وهو شاب، ابن نيف وعشرين سنة، وكان في غاية الورع والزهد، فأقام الحج بالمسلمين تلك السنة. وهو أول أمير أقام الحج في الإسلام، وحج المشركون على مشاعرهم.
وأتى كعب بن زهير بن أبي سلمى تائباً مادحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قبل ذلك يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبل صلى الله عليه وسلم إسلامه ومدحه، وأثابه.