وَقَالَ كَعْبٌ أَيْضًا فِي أُحُدٍ:…
إنَّكِ عمر أَبِيك الْكَرِيم … أَنْ تَسْأَلِي عَنْكِ مَنْ يَجْتَدينا
فَإِنْ تَسْأَلِي ثَمَّ لَا تُكْذَبِي … يُخْبِرُكَ مَنْ قَدْ سَأَلْتِ الْيَقِينَا
بِأَنَّا ليَالِي ذَات الْعِظَام … كُنَّا ثِمَالًا لِمَنْ يَعْتَرِينَا
تَلُوذُ الْبُجُودُ بِأَذْرَائِنَا … مِنْ الضُّرِّ فِي أَزَمَاتِ السِّنِينَا
بِجَدْوَى فُضُولٍ أُولِي وُجْدِنَا … وَبِالصَّبْرِ وَالْبَذْلِ فِي الْمُعْدِمِينَا
وَأَبْقَتْ لنا جلمات الحروب … مِمَّنْ نُوَازِي لَدُنْ أَنْ بُرِينَا
مَعَاطِنَ تهوى إِلَيْهَا الْحُقُوق … يَحْسِبُهَا مَنْ رَآهَا الْفَتِينَا
تُخَيِّسُ فِيهَا عتاق الْجمال … صُحْمًّا دَوَاجِنُ حُمْرًا وُجُونَا
وَدُفَّاعُ رَجْلٍ كَمَوْجِ الْفُرَا … تِ يَقْدُمُ جَأْوَاء جُولَا طَحُونَا
تَرَى لَوْنَهَا مثل لون النّجوم … رَجْرَاجَةً تُبْرِقُ النَّاظِرِينَا
فَإِنْ كُنْتَ عَنْ شَأْنِنَا جَاهِلًا … فَسَلْ عَنْهُ ذَا الْعِلْمِ مِمَّنْ يَلِينَا
بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ إنْ قَلَّصَتْ … عَوَانًا ضَرُوسًا عَضُوضًا حَجُونَا
أَلَسْنَا نَشُدُّ عَلَيْهَا الْعِصَا … بَ حَتَّى تَدُرَّ وَحَتَّى تَلِينَا
وَيَوْمٌ لَهُ وَهَجٌ دَائِمٌ … شَدِيدُ التَّهاوُلِ حَامِي الأرِينا
طَوِيلٌ شَدِيد أوار الْقِتَال … تَنْفِي قَواحِزُهُ الْمُقْرِفِينَا
تَخَالُ الْكُمَاةَ بِأَعْرَاضِهِ … ثِمَالًا عَلَى لَذَّةٍ مُنزفِينا
تَعاوَرُ أَيْمَانهم بَينهم … كئوس الْمَنَايَا بِحَدِّ الظُّبِينَا
شَهِدْنَا ككُنَّا أُولِي بَأْسِهِ … وَتَحْتَ العَمَايَةِ وَالْمُعْلِمِينَا
بِخُرْسِ الْحَسِيسِ حِسَانٍ رِوَاءٍ … وَبُصْرِيَّةٍ قَدْ أُجِمْنَ الجُفونا
فَمَا يَنْفَلِلْنَ وَمَا يَنْحَنِينَ … وَمَا يَنْتَهِينَ إذَا مَا نُهِينَا
كَبَرْقِ الْخَرِيفِ بِأَيْدِي الْكُمَاةِ … يُفَجِّعْنَ بِالظِّلِّ هَامًا سُكُونَا
وَعَلَّمْنَا الضَّرْبَ آبَاؤُنَا … وَسَوْفَ نُعَلِّمُ أَيْضًا بَنِينَا
جِلَادَ الكماة، وبذل التّلاد … ، عَنْ جُلِّ أَحْسَابِنَا مَا بَقِينَا
إذَا مَرَّ قَرْنٌ كَفَى نَسْلُهُ … وَأَوْرَثَهُ بَعْدَهُ آخَرِينَا
نَشِبُّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا … وَبَيْنَا نُرَبِّي بَنِينَا فَنِينَا
سَأَلْتُ بِكَ ابْنَ الزِّبَعْرَى فَلَمْ … أُنَبَّأْكَ فِي الْقَوْمِ إلَّا هَجِينَا
خَبِيثًا تُطِيفُ بِكَ الْمُنْدِيَاتُ … مُقِيمًا عَلَى اللُّؤْمِ حِينًا فَحِينَا
تَبَجَّسْتُ تهجو رَسُول المليك … قَاتَلَكَ اللَّهُ جِلْفًا لَعِينَا
تَقُولُ الْخَنَا ثُمَّ تَرْمِي بِهِ … نَقِيَّ الثِّيَابِ تَقِيًّا أَمِينَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ: «بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ» ، وَالْبَيْتَ الَّذِي يَلِيهِ، وَالْبَيْتَ الثَّالِثَ مِنْهُ، وَصَدْرَ الرَّابِعِ مِنْهُ، وَقَوْلَهُ «نَشِبُّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا»
وَالْبَيْتَ الَّذِي يَلِيهِ.وَالْبَيْتَ الثَّالِثَ مِنْهُ، أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا، فِي يَوْمِ أُحُدٍ:
سَائِلْ قُرَيْشًا غَدَاةَ السَّفْحِ مِنْ أُحُدٍ … مَاذَا لَقِينَا وَمَا لَاقَوْا مِنْ الْهَرَبِ
كُنَّا الْأُسُودَ وَكَانُوا النُّمْرَ إذْ زَحَفُوا … مَا إنْ نُرَاقِبُ مِنْ آلٍ وَلَا نَسَبِ
فَكَمْ تَرَكْنَا بِهَا مِنْ سَيِّدٍ بَطَلٍ … حَامِي الذِّمَارَ كَرِيمِ الْجَدِّ وَالْحَسَبِ
فِينَا الرَّسُولُ شِهَابٌ ثُمَّ يَتْبَعُهُ … نُورٌ مُضِىءٌ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الشُّهُبِ
الْحَقُّ مَنْطِقُهُ وَالْعَدْلُ سِيرَتُهُ … فَمَنْ يُجِبْهُ إلَيْهِ يَنْجُ مِنْ تَبَبِ
نَجْدُ الْمُقَدَّمِ، مَاضِي الْهَمِّ، مُعْتَزِمٌ … حِينَ الْقُلُوبِ عَلَى رَجْفٍ مِنْ الرُّعُبِ
يَمْضِي ويَذْمُرنا عَنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ … كَأَنَّهُ الْبَدْرُ لَمْ يُطْبَعْ عَلَى الْكَذِبِ
بَدَا لَنَا فَاتَّبَعْنَاهُ نُصَدِّقُهُ … وَكَذَّبُوهُ فَكُنَّا أَسْعَدَ الْعَرَبِ
جَالُوا وَجُلْنَا فَمَا فَاءُوا وَمَا رَجَعُوا … وَنَحْنُ نَثْفِنَّهُمْ لَمْ نَأْلُ فِي الطَّلَبِ
لَيْسَا سَوَاءً وَشَتَّى بَيْنَ أَمْرِهِمَا … حِزْبُ الْإِلَهِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ وَالنُّصُبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي مِنْ قَوْلِهِ: «يَمْضِي ويَذْمُرنا» إلَى آخِرِهَا، أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ.