قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: …
حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ: أُسِرَ زُهَيْرُ بْنُ الْعَجْوَةِ الْهُذَلِيُّ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَكُتِّفَ، فَرَآهُ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، فَقَالَ لَهُ: أَأَنْتَ الْمَاشِي لَنَا بِالْمَغَايِظِ؟ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيُّ يَرْثِيهِ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّهِ:
عَجَّفَ أَضْيَافِي جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ … بِذِي فَجَرٍ تَأْوِي إلَيْهِ الْأَرَامِلُ
طَوِيلِ نِجَادِ السَّيْفِ لَيْسَ بِجَيْدَرٍ … إذَا اهْتَزَّ وَاسْتَرْخَتْ عَلَيْهِ الْحَمَائِلُ
تَكَادُ يَدَاهُ تُسْلِمَانِ إزَارَهُ … مِنْ الْجُودِ لَمَّا أَذْلَقَتْهُ الشَّمَائِلُ
إلَى بَيْتِهِ يَأْوِي الضَّرِيكُ إذَا شَتَا … وَمُسْتَنْبِحٌ [13] بَالِي الدَّرِيسَيْنِ عَائِلُ
تَرَوَّحَ مَقْرُورًا وَهَبَّتْ عَشِيَّةً … لَهَا حدب تحتشّه فَيُوَائِلُ
فَمَا بَالُ أَهْلِ الدَّارِ لَمْ يَتَصَدَّعُوا … وَقَدْ بَانَ مِنْهَا اللَّوْذَعِيُّ الْحُلَاحِلُ
فَأُقْسِمُ لَوْ لَاقَيْتَهُ غَيْرَ مُوثَقٍ … لَآبَكَ بِالنَّعْفِ الضِّبَاعُ الْجَيَائِلُ
وَإِنَّكَ لَوْ وَاجَهْتَهُ إذْ لَقِيتَهُ … فَنَازَلْتُهُ أَوْ كُنْتَ مِمَّنْ يُنَازِلُ
لَظَلَّ جَمِيلٌ أَفْحَشَ الْقَوْمِ صِرْعَةً … وَلَكِنَّ قِرْنَ الظَّهْرِ لِلْمَرْءِ شَاغِلُ
فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدَّارِ يَا أُمَّ ثَابِتٍ … وَلَكِنْ أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِلُ
وَعَادَ الْفَتَى كَالشَّيْخِ لَيْسَ بِفَاعِلِ … سِوَى الْحَقِّ شَيْئًا وَاسْتَرَاحَ الْعَوَاذِلُ
وَأَصْبَحَ إخْوَانُ الصَّفَاءِ كَأَنَّمَا … أَهَالَ عَلَيْهِمْ جَانِبَ التُّرْبِ هَائِلُ
فَلَا تَحْسَبِي أَنِّي نَسِيتُ لَيَالِيَا … بِمَكَّةَ إذْ لَمْ نَعْدُ عَمَّا نُحَاوِلُ
إذْ النَّاسُ نَاسٌ وَالْبِلَادُ بِغِرَّةٍ … وَإِذْ نَحن لَا تشنى عَلَيْنَا الْمَدَاخِلُ