قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، مُعَاوِيَةُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ ابْن…
سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ مَازِنٍ بْنِ عَدِيِّ بْنِ جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ مَرَّ بهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ أَعْيَا هُبَيْرَةُ، فَقَامَ فَأَلْقَى عَنْهُ دِرْعَهُ وَحَمَلَهُ فَمَضَى بِهِ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ أَصَحُّ أَشْعَارِ أَهْلِ بَدْرٍ:
وَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُ الْقَوْمَ خَفُّوا … وَقَدْ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ
وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى … كَأَنَّ خِيَارَهُمْ أَذْبَاحُ عِتْرِ
وَكَانَتْ جُمَّةٌ وَافَتْ حِمَامًا … وَلُقِّينَا الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرِ
نَصُدُّ عَنْ الطَّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا … كَأَنَّ زُهَاءَهُمْ غَطَيَانُ بَحْرِ
وَقَالَ الْقَائِلُونَ: مَنْ ابْنُ قَيْسٍ؟ … فَقُلْتُ: أَبُو أُسَامَةَ، غَيْرَ فَخْرِ
أَنَا الْجُشَمِيُّ كَيْمَا تَعْرِفُونِي … أُبَيِّنْ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ
فَإِنْ تَكُ فِي الْغَلَاصِمِ مِنْ قُرَيْشٍ … فَإِنِّي مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ
فَأَبْلِغْ مَالِكًا لَمَّا غُشِينَا … وَعِنْدَكَ مَالِ- إنْ نَبَّأْتَ- خُبْرَى
وَأَبْلِغْ إنْ بَلَغْتَ الْمَرْءَ عَنَّا … هُبَيْرَةَ، وَهُوَ ذُو عِلْمٍ وَقَدْرِ
بِأَنِّي إذْ دُعِيتُ إلَى أُفَيْدٍ … كَرَرْتُ وَلَمْ يَضِقْ بِالْكَرِّ صَدْرِي
عَشِيَّةً لَا يَكَرُّ عَلَى مُضَافٍ … وَلَا ذِي نَعْمَةٍ مِنْهُمْ وَصِهْرِ
فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ … وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمَّ عَمْرِو
فَلَوْلَا مَشْهَدِي قَامَتْ عَلَيْهِ … مُوَقَّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمُّ أَجْرِي
دَفُوعٌ لِلْقُبُورِ بِمَنْكِبَيْهَا … كَأَنَّ بِوَجْهِهَا تَحْمِيمَ قَدْرِ
فَأُقْسِمُ بِاَلَّذِي قَدْ كَانَ رَبِّي … وَأَنْصَابٍ لَدَى الْجَمَرَاتِ مُغْرِ
لَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا حَسَبِي إذَا مَا … تَبَدَّلَتْ الْجُلُودُ جُلُودَ نِمْرِ
فَمَا إنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجِ … مُدِلٌّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي
فَقَدْ أَحْمِي الْأَبَاءَةَ مِنْ كُلَافِ … فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بِنَقْرِ
بِخَلٍّ تَعْجِزُ الْحُلَفَاءُ عَنْهُ … يُوَاثِبُ كُلَّ هَجْهَجَةٍ وَزَجْرِ
بِأَوْشَكَ سَوْرَةً مِنِّي إذَا مَا … حَبَوْتُ لَهُ بِقَرْقَرَةٍ وَهَدْرِ
بِبِيضٍ كَالْأَسِنَّةِ مُرْهِفَاتٍ … كَأَنَّ ظُبَاتِهِنَّ جَحِيمِ جَمْرِ
وَأَكْلَفُ مُجْنَإِ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ … وَصَفْرَاءِ الْبُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ
وَأَبْيَضَ كَالْغَدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ … عُمَيْرٌ بِالْمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرِ
أُرَفِّلُ فِي حَمَائِلِهِ وَأَمْشِي … كَمِشْيَةِ خَادِرٍ لَيْث سبطر
بقول لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيَّا … فَقُلْتُ: لَعَلَّهُ تَقْرِيبُ غَدْرِ
وَقُلْتُ أَبَا عَدِيٍّ لَا تَطُرْهُمْ … وَذَلِكَ إنْ أَطَعْتَ الْيَوْمَ أَمْرِي
كَدَأْبِهِمْ بِفَرْوَةَ إذْ أَتَاهُمْ … فَظَلَّ يُقَادُ مَكْتُوفًا بِضَفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ:
نَصُدُّ عَنْ الطَّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا … كَأَنَّ سِرَاعَهُمْ تَيَّارُ بَحْرِ
وَقَوْلُهُ: –
مُدَلٍّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي
– عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أَسَامَّةَ أَيْضًا:
أَلَا مِنْ مُبَلَّغٌ عَنِّي رَسُولًا … مُغَلْغَلَةً يُثَبِّتُهَا لَطِيفُ
أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدِّي يَوْمَ بَدْرٍ … وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْكَ الْكُفُوفُ
وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى … كَأَنَّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ
وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْكَ بِبَطْنِ بَدْرٍ … خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ
فَنَجَّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي … وَعَوْنُ اللَّهِ وَالْأَمْرُ الْحَصِيفُ
وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ وَحْدِي … وَدُونَكَ جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ
وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَكَ مُسْتَكِينٌ … بِجَنْبِ كُرَاشٍ مَكْلُومٌ نَزِيفُ
وَكُنْتُ إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ … مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ مُسْتَضِيفُ
فَأَسْمَعَنِي وَلَوْ أَحْبَبْتُ نَفْسِي … أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ حَلِيفُ
أَرُدُّ فَأَكْشِفُ الْغُمَّى وَأَرْمِي … إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ وَالْأُنُوفُ
وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكَتْ عَلَى يَدَيْهِ … يَنُوءُ كَأَنَّهُ غُصْنٌ قَصِيفُ
دَلَفْتُ لَهُ إذْ اخْتَلَطُوا بِحَرَّى … مُسْحْسَحَةٍ لِعَانِدِهَا حَفِيفُ
فَذَلِكَ كَانَ صَنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ … وَقَبْلُ أَخُو مُدَارَاةَ عَزُوفُ
أَخُوكُمْ فِي السِّنِينَ كَمَا عَلِمْتُمْ … وَحَرْبٍ لَا يَزَالُ لَهَا صَرِيفُ
وَمِقْدَامٌ لَكُمْ لَا يَزْدَهِينِي … جَنَانُ اللَّيْلِ وَالْأَنَسُ اللَّفِيفُ
أَخُوضُ الصَّرَّةَ الْجَمَّاءَ خَوْضًا … إذَا مَا الْكَلْبُ أَلْجَأَهُ الشَّفِيفُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْتُ قَصِيدَةً لِأَبِي أُسَامَةَ عَلَى اللَّامِّ، لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ بَدْرٍ إلَّا فِي أَوَّلِ بَيْتٍ مِنْهَا وَالثَّانِي، كَرَاهِيَةَ الْإِكْثَارِ.