[أخبار متفرقة]
قال ابو محمد عبد الله بن احمد الفرغاني في كتابه الذى وصل به كتاب محمد بن جرير الطبرى، وسماه المذيل: في هذه السنه في المحرم …
منها طالب قوم من الفرسان ببغداد الوزير سليمان بن الحسن بأرزاقهم، وشتموه واغلظوا له، فرماهم غلمانه بالأجر من اعالى الدار، وقتلوا رجلا من الأولياء فهجموا في الدار بعد ان احرقوا الباب.
فخرج الوزير على باب ثان، وجلس في طيار، وسار الى دار على بن عيسى فانصرفوا عن بابه.
وفيه قلد ابراهيم بن بطحا الحسبه بمدينه السلام.
وفي صفر ورد بغداد مؤنس الخادم الورقانى، منصرفا من الحج بالناس سالمين، فأظهر اهل مدينه السلام لذلك السرور والفرح، ونشروا الزينة في الاسواق، واخرجوا الثياب والحلى والجواهر، ونصبت القباب في الشوارع، وخلع السلطان على مؤنس واوصله نفسه وخلع على جماعه معه، وذلك يوم الخميس لعشر خلون من صفر، فذكر الحاج انها لحقتهم مجاعه عظيمه في الطريق، إذ كانت خاليه من العمارة، وكاد يأكل بعضهم بعضا من الجوع.
وللنصف من صفر قصد الشطار واهل الزعارة من العامه دار الخليفة فاحرقوا باب الميدان، ونقبوا في السور، وصعد الخليفة الى المجلس المثمن ومعه يلبق وسائر الغلمان، فضمن لهم يلبق ازاحه عللهم والانفاق عليهم، فانصرفوا ثم شغبوا بعد ذلك وقصدوا دار ابى العلاء سعيد بن حمدان فحوربوا منها، وقتل منهم رجل فانصرفوا وبكروا إليها من الغد، وقد كان ابو العلاء وضع حرمه وجميع ما يملكه في الزوارق داخل الماء، فلم يصلوا الى ما املوه منه، فاحرقوا بابه وصاروا الى السجون والمطبق ففتحت بعد محاربتهم لمن كان يمنع منها وقتل من طلاب الفتن من العامه خلق كثير وقعدوا بعد ذلك في مجلس الشرطه، وقتلوا رجلا يعرف بالذباح قيل انه ذبح ابن النامي، فلما اصبح الناس ركب ابن ياقوت اليهم زورقا، وبعث باصحابه وغلمانه على الظهر، ثم وضع السيف والنشاب في اهل الزعارة من العامه، فلم يزل القتل يأخذهم من رحبه الحسين الى سوق الصاغه بباب الطاق، فارتدع الناس وكفوا.
وفي آخر صفر خرج طريف السبكرى الى الثغر غازيا، وخرج في ربيع الاول نسيم الخادم الشرابي الى الثغر أيضا، وشيعه مؤنس المظفر.
وخرج من الفسطاط بمصر احد عشر مركبا للغزو في البحر الى بلاد الروم، وعليها ابو على يوسف الحجري.
وفي هذه السنه اجتمع نوروز الفرس والشعانين في يوم واحد، وذلك يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الاول، وقل ما يجتمعان.
ولثمان بقين منه خلع على ابى العلاء بن حمدان، وقلد ديار ربيعه وما والاها، وتقدم اليه بالغزو، وفيه تقلد اعمال البصره ابو إسحاق وابو بكر ابنا رائق.
وفي شهر ربيع الآخر من هذه السنه ورد الخبر بان الاعراب صاروا في جمع كثير الى الأنبار فأفسدوا وقتلوا، فجرد اليهم على بن يلبق في جيش كثيف، وخرج يلبق أبوه في اثره، فلحقوهم وواقعوهم يوم الأحد لثلاث عشره ليله بقيت منه بعد حرب شديده، وانهزم الاعراب، فقتلوا منهم وأسروا وغنم الأولياء غنيمه عظيمه.
وفي ربيع الآخر وقع حريق في مدينه الفسطاط بموضع يقال له خولان نهارا فذهبت فيه دور بنى عبد الوارث وغيرها.
ولاربع عشره ليله بقيت من جمادى الاولى ادخل الى مدينه السلام خمسه وسبعون رجلا من الأرمن، وجه بهم بدر الخرشنى ممن حارب، فشهروا وطيف بهم، وادخل أسارى القرامطة الخارجين بسواد الكوفه بعث بهم بشر النصرى وهم نحو مائه فشهروا وطوفوا بمدينه السلام.
وفي جمادى الآخرة من هذه السنه ازدادت وحشه مؤنس المظفر من ياقوت وولده، ودارت بينهم مدافعات، فصرف ابن ياقوت عن الشرطه، ورد امرها بالجانب الشرقى الى احمد بن خاقان، وبالجانب الغربي الى سرور مولى المقتدر.
وفي هذا الشهر قلد ابو بكر محمد بن طغج مدينه دمشق وأعمالها، وصرف الراشدى عنها، ورد اليه عمل الرملة ونفذ كتاب الخليفة الى ابن طغج بالولاية، فلما وصل اليه الكتاب سار من وقته الى دمشق، وخرج الراشدى الى الرملة، فسر اهل دمشق بقدوم ابن طغج، ودخلها احسن دخول.
وفي مستهل رجب من هذه السنه راسل مؤنس الخليفة، وساله اخراج ياقوت وابنه عن مدينه السلام، فلم يجبه الى ذلك، فاوحشه فعله، واستاذن هو في الخروج فلم يمنع، فخرج الى مضاربه برقه الشماسيه مغاضبا واتصل به ان ياقوتا وابنه امرا بقصده والفتك به، فاستجلب مؤنس الرجاله المصافيه الى نفسه، فلحقوا به بالشماسيه وصاروا معه، ثم طالب الأولياء ابن ياقوت ببقايا أرزاقهم فنهددهم فلحق جميعهم بمؤنس بعد ان قطعوا خيامهم التي كانت حوالى دار الخليفة بالسيوف، فقوى امر مؤنس، وانضم عسكره على قريب من سته آلاف فارس وسبعه آلاف راجل، فتقدم ابن ياقوت الى اصحاب السلاح الا يبيعوا منهم سلاحا ووجه اليهم مؤنس قواده يحذرهم ان يمنعوا أحدا من اصحابه بيع ما يلتمس من السلاح، وحمل يلبق وبشر واصطفن وابن الطبرى الى مؤنس مالا كثيرا وقالوا له: هذا المال افدناه معك، وهذا وقت حاجتك اليه، وحاجتنا، فشكرهم على ذلك وفرقه في اصحابه وعلى من قصده.
ولما قوى امر مؤنس وانحاز الجيش اليه ركب اليه الوزير سليمان بن الحسن وعلى بن عيسى وشفيع ومفلح، فلما حصلوا في مضربه بباب الشماسيه، شغبت عليهم حاشيه مؤنس، وضربوا وجوه دوابهم، وقبضوا عليهم، واظهرت حاشيه مؤنس انهم يريدون الفتك بهم، فاهمتهم نفوسهم، واعتقلوا يومهم، وبلغ المقتدر الخبر فاقلقه، وجرى الأمر بينهما على اخراج ياقوت وابنيه عن بغداد ووجه الخليفة الى ياقوت وولده اخرجوا حيث شئتم، فخرجوا في الغلس يوم الأربعاء لثمان خلون من الشهر، وجميع حاشيتهم في الماء مع نيف واربعين سفينه محمله مالا وسلاحا وسروجا وسيوفا ومناطق وغير ذلك، وثمانية طيارات وشذاه فخلى مؤنس سبيل على بن عيسى، ومن اعتقله معه، ورجع مؤنس الى داره، واحرقت دار ياقوت وابنه، ونودى بمدينه السلام الا يظهر احد ممن اثبت ابن ياقوت، واظهر من سائر الناس ونظر مؤنس فيمن يرد اليه الحجابه، فوقع اختياره على ابنى رائق للمهانه التي كانت فيهما، وانهما كانا يلقبان بخديجة وأم الحسين، فبعث فيهما، وقلدهما الحجابه، فقبلا يده ورجله، وقالا له: نحن عبدا الأستاذ وأبونا من قبلنا، وانصرفا وغلمان مؤنس بين أيديهما حتى بلغا منازلهما.
وفي يوم الاثنين لعشر بقين من رجب ادخل مفرج بن مضر الشاري مع رجلين وجه بهم ابن ورقاء من طريق خراسان، فشهروا على فيل وجملين.
ذكر القبض على سليمان بن الحسن الوزير وتقليد الكلواذى الوزارة
وفي يوم السبت لست بقين من رجب قبض على الوزير سليمان بن الحسن، وذلك ان المال ضاق في ايامه، واتصل شغب الجند، وظهر من سليمان في وزارته ما كان مستورا من سخف الكلام وضرب الأمثال المضحكه، واظهار اللفظ القبيح بين يدي الخليفة مما يجل الوزراء عنه، فاستنقصه الخلق، وهجاه الشعراء، واستعظموا الوزارة لمثله، وكانت لابن ياقوت فيه ابيات ضمن في آخرها هذا البيت:
يا سليمان غننى *** ومن الراح فاسقني
ولابن دريد فيه:
سليمان الوزير يزيد نقصا *** فاحر بان يعود بغير شخص
أعم مضره من ابى خلاط *** وأعيا من ابى الفرج بن حفص
وولى الوزارة ابو القاسم عبيد الله بن محمد الكلواذى واحضر الدار وخلع عليه، وذلك يوم الأحد لاربع بقين من رجب من هذه السنه.
وفي شعبان من هذه السنه ورد الخبر بان أبا العباس احمد بن كيغلغ لقى الاشكرى صاحب الديلم فهزمه الديلم وتفرق عنه اصحابه، حتى بقي في نحو من عشرين، ومضى الديلم في آثار من انهزم من اصحابه، ودخلوا أصبهان، وملكوا دورها، وصاروا فيها ووافى الاشكرى على أثرهم في نفر من الديلم، فلما نظر اليهم ابن كيغلغ قال لمن حوله: أوقعوا عيني على الاشكرى، فاروه اياه فقصده وحده، وكان الديلمى شديد الخلق فلما نظر اليه مقبلا سال عنه فقيل له: هذا ابن كيغلغ، فبرز كل واحد منهما لصاحبه ورمى الديلمى أبا العباس بن كيغلغ بمزراق كان في يده، فانفذ ما كان يلبسه، ووصل الى خفه، فانفذ عضله ساقه وأثبتها في نداد سرجه، فحمل عليه ابن كيغلغ، وضربه بسيفه على أم راسه، فانصرع عن دابته وأخذ راسه وتوجه به بين يديه فتفرق اصحاب الديلمى وتراجع اصحاب ابن كيغلغ، ودخل أصبهان والراس قدامه، فوضع اهل المدينة سيوفهم ورماحهم في الديالمة الذين حصلوا بها، فقتلوا عن آخرهم ونزل ابن كيغلغ في داره، واستقام امره وحسن اثره عند المقتدر، واعجب الناس ما ظهر من شجاعته وبأسه، مع كبر سنه.
ولعشر بقين من شعبان ورد الخبر بان القرامطة صاروا الى الكوفه ونزلوا المصلى العتيق، وعسكروا به، وأقاموا، وسارت قطعه منهم في مائتي فارس فدخلوا الكوفه، وأقاموا بها خمسه وعشرين يوما مطمئنين، يقضون حوائجهم، وقتلوا بها خلقا كثيرا من بنى نمير خاصه، واستبقوا بنى اسد، ونهبوا اهراء فيها غلات كثيره للسلطان وغيره.
وفي هذه السنه وصل زكرى الخراسانى الى عسكر سليمان بن ابى سعيد الجنابى فجاز له عليهم من الحيله والمخرقه ما افتضحوا به وعبدوه، ودانوا له بكل ما امرهم، به من تحليل المحارم وسفك الرجل دم أخيه وولده وذوى قرابته وغيرهم، وكان السبب في وصوله اليهم ان القرامطة لما انتشروا في سواد الكوفه، وانتهوا الى قصر ابن هبيرة فأسروا جماعه من الناس كانوا يستعبدون من يأسرونه ويستخدمونهم، وكان له عرفاء، على كل طائفه منهم، فاسر زكرى هذا فيمن اسر، وملكه بعض المتراسين عليهم، فلما اراد الاستخدام به تمنع عليه واسمعه ما كره فلما نظر الى قوه كلامه وجراته هابه وامسك عنه، وانهى خبره الى الجنابى سليمان فاحضره من وقته وخلا به، وسمع كلامه ففتنه، ودان له وامر اصحابه بان يدينوا له ويتبعوا امره وحمله في قبة وستره عن الناس، وشغل خبره القرامطة وانصرفوا به راجعين الى بلادهم، وهم يعتقدون انه يعلم الغيب ويطلع على ما في صدورهم وضمائرهم، وهو كان بعد ذلك السبب لهلاكهم وفنائهم، على ما ياتى ذكره في الوقت الذى دار فيه ذلك.
وفي هذه السنه انحدر ياقوت وابنه من مدينه السلام في الماء، ومن تبعه من جيشه من الجانب الشرقى يريدان أعمالهما من بلد فارس، وكان على بن يلبق بواسط متقلدا لها ومعه من الغلمان الذين اشخصهم مؤنس اليه جمله مثل سيما المنخلى وكانجور وشفيع وتكين الخاقانى وغيرهم، فحملت هذه الطبقة ابن يلبق على تلقى ياقوت ومحاربته واتصل الخبر بيلبق ابيه، فأنكر الأمر أشد الانكار، وكاتب ابنه يخوفه ركوب هذه الحال، ويأمره بان يتقدم الى خلفائه بواسط ان يتلقوا ياقوتا، ويخدموه ويكونوا بين يديه الى ان يخرج عن واسط وكاتب القواد الا يطاوعوا ابنه على مكروه ان هم به، وكاتب ياقوتا يسأله العبور الى الجانب الغربي خوفا من اجتماع العسكرين، ثم تحمل يلبق المصير الى ابنه وملازمته أياما الى ان جاز ياقوت وخرج عن واسط وفي شعبان من هذا العام شغب الرجاله ببغداد، فحاربهم يلبق وسائر الجيش ولم تزل الحرب بينهم من غدوه الى صلاه العصر، وخرج من الفرسان جماعه، وقتل من الرجاله عدد كثير، ثم تمزق الفريقان في الأزقة والدروب وانصرفوا.
ذكر صرف الكلواذى عن الوزارة وتقليدها الحسين بن القاسم
وكان عبيد الله بن محمد الكلواذى احد الكتاب الكبار، وجليلا في نفوس الناس، فقدروا ان فيه كفاية وقياما بالأمر، فأقام على الوزارة شهرين وهو متبرم بها لضيق الأموال وكثره الاعتراضات واتصال الشغب وقعود العمال عن حمل المال فاستعفى وقال: ما اصلح ان أكون وزيرا، فصرف عنها ولم يعنف ولا نكب ولا تعرض احد من حاشيته، وانصرف الى داره، واستقر فيها فامر الخليفة بحفظها وصيانتها.
وكان ابو الجمال الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب يسعى دهره في طلب الوزارة، ويتقرب الى مؤنس وحاشيته ويصانعهم حتى جاز عندهم، وملا عيونهم، وكان يتقرب الى النصارى الكتاب بان يقول لهم: ان اهلى منكم وأجدادي من كباركم، وان صليبا سقط من يد عبيد الله بن سليمان جده في ايام المعتضد فلما رآه الناس، قال: هذا شيء تتبرك به عجائزنا، فتجعله في ثيابنا من حيث لا نعلم، تقربا اليهم بهذا وشبهه، يعنى الى مؤنس واصحابه.
وقلد الوزارة يوم السبت سلخ شهر رمضان وخلع عليه في هذا اليوم، وركب في خلعه وسائر القواد والناس على طبقاتهم معه واخذه بوله في الطريق، فنزل وهو في خلع الخليفة الى دار محمد بن فتح السعدي فبال عنده، وامر له بزيادة في رزقه ونزله، وركب منها الى داره.
[أخبار متفرقة]
ولسبع بقين من شوال اخرج على بن عيسى الى ديرقنا.
وفيه قرئت كتب في جامع الرصافه بما فتحه الله لثمل بطرسوس في البر والبحر.
وفيه خلع على ابى العباس احمد بن كيغلغ وطوق وسور، وعقد لابن الخال على اعمال فارس، ولياقوت على أصبهان، ولابنه محمد على الجبل، واخرجت إليهما الخلع للولاية.
وفي شوال من هذه السنه خلع على الوزير عميد الدولة وابن ولى الدولة الحسين بن القاسم لمنادمه المقتدر.
وفي يوم الجمعه لخمس بقين منه ظهرت في السماء فيما يلى القبله من مدينه السلام حمره ناريه شديده لم ير مثلها، وصلى في هذا النهار الوزير عميد الدولة وابن ولى الدولة الحسين بن القاسم، في مسجد الرصافه، وعليه شاشيه وسيف بحمائل، فعجب الناس منه.
وحج بالناس في هذه السنة جعفر بن على الهاشمى من اهل مكة المعروف برقطه خليفه لأبي حفص عمر بن الحسن بن عبد العزيز.