مخالفة خالد ابن محمد الشعراني المعروف بابى يزيد على السلطان وفي المحرم من هذه السنه ورد كتاب صاحب البريد بكرمان يذكر ان خالد …
ابن محمد الشعراني المعروف بابى يزيد- وكان على بن عيسى الوزير ولاه الخراج بكرمان وسجستان- خالف على السلطان، ودعى أميرا، وجمع الناس الى نفسه، وضمن لهم الأموال على ان ينهضوا معه لمحاربه بدر الحمامي صاحب فارس، وضمن القواد كانوا معه مالا عظيما، وعجل لهم منه بعضه حتى اجتمع له نحو عشره آلاف فارس وراجل، وكان ضعيف الرأي ناقص القريحه، فكتب المقتدر الى بدر الحمامي في انفاذ جيش اليه ومعاجلته، فوجه اليه بدر قائدا من قواده يعرف بدرك وضم اليه من جنده ورجال فارس عسكرا كثيرا، وكتب بدر قبل انفاذ الجيش الى ابى يزيد الشعراني يرغبه في الطاعة، ويتضمن له العافيه، مع الانهاض في المنزله، وخوفه وبال المعصية، فجاوبه ابو يزيد: والله ما اخافك لانى فتحت المصحف فبدر الى منه قول الله عز وجل: لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى ومع ذلك ففي طالعى كوكب بيبانى لا بد ان يبلغني غاية ما اريد، فانفذ بدر الجيش اليه، وحوصر حتى أخذ أسيرا فقيلت فيه اشعار منها:
يا با يزيد قائل البهتان *** لا تغترر بالكوكب البيبانى
واعلم بان القتل غاية جاهل *** باع الهدى بالغى والعصيان
قد كنت بالسلطان عالى رتبه *** من ذا الذى أغراك بالسلطان
ثم اتى الخبر بان أبا يزيد هذا مات في طريقه، فحمل راسه الى مدينه السلام ونصب على سور السجن الجديد، وعزل يمن الطولونى عن اماره البصره، ووليها الحسن بن خليل بن ريمال، على يدي شفيع المقتدرى، إذ كانت امارتها اليه.
ذكر التقبض على على بن عيسى الوزير وولايه على بن الفرات ثانيه
وقبض في هذه السنه على الوزير على بن عيسى يوم الاثنين، لثمان ليال خلون من ذي الحجه، ونهبت منازل اخوته ومنازل حاشيته وذويه، وحبس في دار المقتدر، وقلد الوزارة في هذا اليوم على بن محمد بن موسى بن الفرات، وخلع عليه سبع خلع، وحمل على دابه بسرجه ولجامه، فجلس في داره بالمخرم المعروفه بدار سليمان بن وهب، وردت عليه اكثر ضياعه التي كانت قبضت منه عند التسخط عليه، وظهر من كان استتر بسببه من صنائعه ومواليه.
وذكر عنه انه لما ولى ابن الفرات الوزارة وخلع عليه بالغداة، زاد ثمن الشمع في كل من منه قيراط ذهب، لكثرة ما كان ينفقه منه في وقيده، وينفق بسببه وزاد في ثمن القراطيس لكثرة استعماله إياها فعد الناس ذلك من فضائله، وكان اليوم الذى خلع عليه فيه يوما شديد الحر.
فحدثني ابن الفضل بن وارث انه سقى في داره في ذلك اليوم، وتلك الليلة اربعون الف رطل من الثلج، وركب على بن محمد الى المسجد الجامع ومعه موسى بن خلف صاحبه فصيح به الهاشميون: قد أسلمنا، وضجوا في امر أرزاقهم، فامر ابن الفرات من كان معه الا يكلمهم في شيء، فافرطوا في القول، فأنكر ذلك المقتدر وامر بان يحجب اصحاب المراتب عن الدار، فصار مشايخهم الى ابن الفرات واعتذروا اليه، وقالوا له: هذا فعل جهالنا، فكلم الخليفة فيهم حتى رضى عنهم، وضم الى ابن الفرات جماعه من الغلمان الحجريه، ليركبوا بركوبه ويكونوا معه في كل موضع يكون فيه.
وفيها ورد الكتاب من خراسان يذكر فيه انه وجد بالقندهار في ابراج سورها برج متصل بها فيه خمسه آلاف راس، في سلال من حشيش، ومن هذه الرءوس تسعه وعشرون راسا، في اذن كل راس منها رقعه مشدودة بخيط ابريسم، باسم كل رجل منهم والأسماء: شريح بن حيان، خباب بن الزبير، الخليل بن موسى التميمى، الحارث ابن عبد الله، طلق بن معاذ السلمى، حاتم بن حسنه، هانئ بن عروه، عمر بن علان، جرير بن عباد المدني، جابر بن خبيب بن الزبير، فرقد بن الزبير السعدي، عبد الله ابن سليمان بن عماره، سليمان بن عماره، مالك بن طرخان صاحب لواء عقيل ابن السهيل بن عمرو، عمرو بن حيان، سعيد بن عتاب الكندى، حبيب بن انس، هارون بن عروه، غيلان بن العلاء، جبريل بن عباده، عبد الله البجلي، مطرف ابن صبح ختن عثمان بن عفان رضى الله عنه، وجدوا على حالهم الا انهم قد جفت جلودهم والشعر عليها بحالته لم يتغير، وفي الرقاع من سنه سبعين من الهجره.
[أخبار متفرقة]
وفي هذه السنه عزل يمن الطولونى عن شرطه بغداد، ووليها نزار بن محمد الضبي.
وفي المحرم من هذه السنه توفى عبد العزيز بن طاهر بن عبد الله بن طاهر أخو محمد بن طاهر، وكان عبدا صالحا حسن المذهب، كثير الخير، ودفن في مقابر قريش، وصلى عليه مطهر بن طاهر.
وفيها مات محدث عدل يعرف بابى نصر الخراسانى في جمادى الاولى.
وفيها مات ابو الحسن احمد بن العباس بن الحسن الوزير في شعبان، وكان قد عنى بالأدب ورشح نفسه للوزارة، واهله قوم لها.
وفيها مات لؤلؤ غلام ابن طولون.
وفيها مات ابو سليمان داود بن عيسى بن داود بن الجراح قبل القبض على أخيه على بن عيسى بشهرين، فلم يتخلف احد عن جنازته من الاجلاء.
وفي هذه السنه قدم طرخان بن محمد بن إسحاق بن كنداجيق من الدينور حاجا في شهر رمضان، فركب الى الوزير على بن عيسى يوم الاثنين لإحدى عشره ليله بقيت من شوال، وليس عنده خبر، فعزاه الوزير عن ابيه، فجزع عليه جزعا شديدا وخلع عليه في يوم الخميس بعد ثلاثة ايام وعقد له لواء على اعمال ابيه، فكتب الى أخيه يستخلفه على العمل، ونوظر عن الاعمال التي كانت الى ابيه، فقطع الأمر معه على ستين الف دينار، حملها عنه حمد كاتبه، وجيء بتابوت محمد بن إسحاق لاربع بقين من شوال، ودفن في داره بالجانب الغربي.
واقام الحج للناس في هذه السنه الفضل بن عبد الملك الهاشمى.