فيها خلع ابن الأشعث بسجستان، وأقبل يريد الحجاج فحدثني أبو الحسن وأبو اليقظان: أن ابن الأشعث لما أجمع المسير إلى العراق …
دعا ذرا أبا عمر بن ذر الهمداني، فكساه ووصله وأمره أن يحضض الناس، فكان يقص كل يوم وينال من الحجاج، ثم ساروا وقد خلعوا الحجاج، ولا يذكرون خلع عبد الملك.
وحدثني أمية بن خالد قال: تمثل ابن الأشعث حين سار:
خلع الملوك وسار تحت لوائه *** شجر العرا وعراعر الأقوام
وأغر من ولد الأراقم ماجد *** صلت الجبين معود الإقدام
وتمثل:
سائل مجاور جرم هل جنيت لهم *** حربا تزايل بين الجيرة الخلط؟
وهل تركت نساء الحي ضاحية *** في عرصة الدار يستوقدن بالغبط
فقدم لأي بن شقيق بن ثور السدوسي على الحجاج فأخبره فحمله من ساعته إلى عبد الملك، فرده عبد الملك إلى الحجاج يأمره بالتشمير والجد حتى تأتيه الجنود، فسار الحجاج فالتقوا بتستر يقال: يوم النحر فانكشف الحجاج حتى دخل البصرة وتبعه ابن الأشعث.
قال أبو اليقظان: قال زادان فروخ للحجاج: أخرج له عن البصرة فإن الذين معه من البصرة إذا شموا نساءهم وأولادهم قعدوا عنه، فخرج إلى ناحية
طف البصرة، ودخل ابن الأشعث البصرة، فقعد عنه عامة من كان معه من أهل البصرة.
فحدثني محمد بن معاذ عن أبيه عن جدته قالت: سمعت منادي ابن الأشعث يقول: أين الذين بايعوا بالرخج؟.
وحدثني من سمع قريش بن أنس عن ابن عون قال: رأيت ابن الأشعث متربعا على المنبر يتوعد الذين تخلفوا عنه توعدا شديدا.
وفي سنة إحدى وثمانين أتى موسى بن نصير طبنة فقتل وسبى.
وأقام الحج سليمان بن عبد الملك سنة اثنتين وثمانين فيها وقعة الزاوية بالمحرم.
حدثني أبو الحسن وأبو اليقظان قالا: خرج ابن الأشعث، فلقي الحجاج بالزاوية، فاقتتلوا قتالا شديدا، قتل يومئذ أبو الجوزاء الربعي وعقبة بن عبد الغافر العوذي، وعقبة بن وساج البرساني، وعبد الله بن غالب الجهضمي.
حدثني سلم بن قتيبة قال: نا سلام بن مسكين قال: قتل عبد الله بن غالب يوم الزاوية.
حدثني يحيى بن محمد عن غسان بن مضر عن سعيد بن يزيد قال: قتل أبو الجوزاء وعبد الله بن غالب، وعقبة بن عبد الغافر يوم الزاوية.
وحدثني سليمان بن حرب قال: ناحمد بن زيد عن المعلى بن زياد عن مرة بن ذ ياب قال: مررت بعقبة بن عبد الغافر يوم الزاوية وهو صريع فناداني ذهبت الدنيا والآخرة.
وقتل يومئذ عبد الرحمن بن عوسجة النهمي من همدان، وكان على ميمنة ابن الأشعث، وأتي الحجاج بعمران بن عصام الضبعي فقتله صبرا.
فحدثني علي بن محمد عن عبيد الله بن عمر البكرواي قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج أن أدع الناس إلى البيعة، فمن أقر بالكفر فخل سبيله إلا رجلا نصب راية أو شتم أمير المؤمنين.
فدعا الناس إلى البيعة على ذلك حتى جاءت بنو ضبيعة، فقرأ عليهم الكتاب، فنهض عمران بن عصام، فدعا به الحجاج فقال: أتشهد على نفسك بالكفر ؟ قال: ما كفرت بالله منذ آمنت به، فقتله.
وانهزم ابن الأشعث وخلف عسكره، فاقتتل الناس بظهر المربد ثلاثة أيام، وتولى أمرهم عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.
ووثب مطر بن ناجية الرياحي، فغلب على الكوفة، فقدم عليه ابن الأشعث فبايعه مطر بن ناجية، وتبعه الحجاج فالتقوا بدير الجماجم.
فحدثني أمية بن خالد عن عوانة أنه قال: كانت بينهم بالجماجم إحدى وثمانين وقيعة، كلها على الحجاج إلا آخر وقعة كانت على ابن الأشعث، فانهزم.
وقتل من القراء بدير الجماجم أبو البختري سعد مولى حذيفة وأبو البختري الطائي.
فحدثني غندر قال: نا شعبة عن عمرو بن مرة قال: أتى القراء يوم دير الجماجم أبا البختري الطائي يؤمرونه عليهم فقال: أنا رجل من الموالي فأمروا رجلا من العرب، فأمروا جهم بن زحر بن قيس.
وحدثني من سمع سفيان عن أبان بن تغلب قال: حدثني سلمة بن كهيل قال: رأيت أبا البختري بدير الجماجم وشد عليه رجل بالرمح فطعنه، وانكشف ابن الأشعث من دير الجماجم، فأتى البصرة وتبعه الحجاج فخرج منها إلى مسكن من أرض دجيل الأهواز واتبعه الحجاج فالتقوا بمسكن، فانهزم ابن الأشعث، وقتل من أصحابه ناس كثير وغرق ناس كثير.
فحدثني أمية بن خالد قال: نا شعبة عن عمرو بن مرة قال: افتقد ليلة دجيل بمسكن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن شداد بن الهاد،، وابو عبيدة بن عبد الله بن مسعود.
وحدثني علي بن عبد الله قال: نا سفيان قال: حدثني أبو فروة قال: افتقد ابن أبي ليلى بسوراء وأسر الحجاج ناسا كثيرا منهم: عمران بن عصام العنزي، و عبد الرحمن بن ثروان، وأعشى همدان، وفيروز حصين.
قال أبو اليقظان: حدثني سلم بن الجارود بن أبي سبرة الهذلي قال: أتي الحجاج بعمران بن عصام العنزي، فقال: عمران ؟ قال: نعم.
قال: ألم أقدم العراق فأوفدتك إلى أمير المؤمنين ولا يوفد مثلك ؟ قال: بلى.
قال: وزوجتك سيد قومها ماوية بنت مسمع ولم تكن لها بأهل ؟ قال: بلى.
قال: فما حملك على الخروج مع عدو الله ابن الأشعث ؟ قال: أخرجني باذان.
قال: فأين كنت عن حجلة أهلك ؟ قال: أخرجني باذان.
قال: فأين كنت على خرب البصرة ؟ قال: أخرجني باذان.
فكشط رجل العمامة عن رأسه فإذا هو محلوق.
قال: ومحلوق أيضا لا أقالني الله إن أقلتك، فأمر به فضربت عنقه.
قال: فسأل عبد الملك بن مروان بعد عن عمران بن عصام العنزي فقيل له: قتله الحجاج.
قال: ولم ؟ قيل: خرج مع ابن الأشعث، قال: ما كان ينبغي أن يقتله بعد قوله:
وبعثت من ولد الأغر معتب *** صقرا يلوذ حمامة بالعوسج
فإذا طبخت بناره أنضجتنا *** وإذا طبخت بغيرها لم تنضج
وهو الهمام إذا أراد فريسة *** لم ينجها منه صريخ الهجهج
ثم سار ابن الأشعث يريد خراسان، وتبعه الفل فتركهم، وسار إلى رتبيل بسجستان، فقام بأمر الناس عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فلقيه المفضل بن المهلب بهراة وهو وال لأخيه يزيد فهزمه، وأسر ناسا من أصحابه منهم محمد بن سعد بن مالك والهلقام بن نعيم.
فحدثني عامر بن صالح بن رستم قال: حدثني أبو بكر الهذلي قال: كان في الأسرى يزيد بن طلحة بن عبد الله بن خلف الطلحات، والنضر بن أنس بن مالك، وعبد الله بن فضالة الزهراني، وسعد بن نجد في ناس كثير من أهل اليمن، فخلى عنهم يزيد بن المهلب وكساهم، وبعث إلى الحجاج بالمضرية، وكان أول من كلمه الهلقام بن نعيم فقال: لعنك الله يا حجاج إن فاتك هذا المزوني يعني يزيد قال: لم ؟ قال
لأنه كاس في إطلاق أسرته *** وقاد نحوك في أغلالها مضرا
وقى بقومك حر الموت أسرته *** وكان قومك أد نى عندها خطرا
قال: كذبت وأمر بقتله.
وحدثني قال: قال المهلب لمحمد بن سعد بن مالك: يا ظل الشيطان أتيه الناس رضيت أن تكون مؤذنا لعبد بني نصر يعني عمرو بن أبي الصلت بن
كنارا، ثم أمر به فقتل.
أول وقعة كانت بينهم يوم تستر يوم النحر آخر سنة إحدى وثمانين، والوقعة الثانية بالزاوية في المحرم أول سنة اثنتين وثمانين، والوقعة الثالثة بظهر المربد في صفر يوم الأحد سنة اثنتين وثمانين، والوقعة الرابعة بدير الجماجم، كانت الهزيمة في جمادى لأربع عشرة ليلة خلت منه سنة اثنتين وثمانين، والوقعة الخامسة في شعبان سنة اثنتين وثمانين ليلة دجيل.
أبو عبيدة عن عمرو بن عيسى أبي نعامة العدوي قال: قدمت من مكة والناس بالزاوية في المحرم، فأتيت الحريش وهو جالس تحته جلد أسد متفضلا، فسلمت فرد علي ونسبني فعرفني، فجاء رجل فقال: إن المهلب قد أخرج كتائبه من الخندق، فرفع رأسه فنظر إلى الشمس فقال: ما هذه ساعة قتال، ثم جاء آخر فقال مثل ذلك، ثم جاء آخر، فقال لرجل: قم على هذا الجذم فانظر، فقال: أرى الكتائب تخرج، وقد نهض العسكران.
فقال: أخرج فرسي وسلاحي.
فلبس سلاحه، فنظرت إلى ذراعه كأنها ذراع أسد، ثم قعد على كرسي، وتحدرت الفرسان فكان أول من أتاه أبو العلج وابنه مولى بني تيم، تيم قريش، ثم جاء مجاهد بن بلعاء العنبري وجاء جهضم بن عباد بن حصين، ثم تحادرت فرسان بني تيم حتى عددت ستين، فركب، واتبعتهم أنظر ما يصنعون، فأتى صف الأزد فحضضهم وذكر فعالهم
وذم أهل الشام، وقال لأصحابه: احملوا، فخرقوا الصف، فعل ذلك مرارا، ثم لم يزل يفعله حتى أمسى، فرجعت إلى منزلي، وذلك يوم الأربعاء في آخر المحرم، وكنت أسمع أصواتهم هبة من الليل، ثم خفيت الأصوات وتحاجزوا.
ثم أصبحوا يوم الخميس فاقتتلوا قتالا شديدا، وصبر الفريقان حتى حجز الليل بينهم، ثم التقوا يوم الثالث بعد زوال الشمس فاقتتلوا طعنا وضربا، فأمر الحجاج عبد الرحمن بن مسلم أن يأخذ المسناة حتى يأتي البصرة، وبلغ ذلك أهل العراق، فعارضهم الحريش، فالتقوا عند الجسر، وقتل من أصحاب الحريش ثلاثون رجلا، وأقبل أبو بكر بن الحنتف بن السجف، وضرب رجل من أهل الشام الحريش على رأسه فحمل إلى البصرة، وقالوا: قتل الحريش وصبر الفريقان، فقتل عبد الرحمن بن عوسجة صاحب ميمنة ابن الأشعث وعبد الله بن رزام، وزياد بن مقاتل، وطفيل بن عامر كلهم من أصحاب ابن الأشعث، وحمل سفيان بن الأبرد وجال الناس، وبقي أهل الحفاظ والصبر، فقتل عقبة بن عبد الغافر في جماعة من القراء، وقتل عبد الله بن عامر بن مسمع في نحو من ثلاث مائة، وقتل كثير أبو عمر صاحب الكتان مولى عنزة، وقتل معه مائتان من الموالي وانهزم الناس، واتبعهم سفيان بن الأبرد حتى دخلوا البصرة، فقتلهم ثم رجع، فقتل في وجهه من لقي أربعمائة أو أكثر.
تسمية القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث مسلم بن يسار مزني ويقال: مولى أبي بكر ويقال: مولى عثمان بن عفان، وعقبة بن عبد الغافر العوذي قتل في المعركة، وعقبة بن وساج البرساني قتل في المعركة، وعبد الله بن غالب الجهضمي قتل في المعركة، والنضر بن أنس بن مالك، وأبو الجوزاء قتل في المعركة.
وعمران بن عصام الضبعي قتل صبرا، وسيار بن سلامة أبو المنهال الرياحي، ومالك بن دينار، ومرة بن دباب الهرادي، وأبو نجيد الجهضمي، وأبو شيخ الهنائي، والحسن بن أبي الحسن أخرج كرها لم يقتل.
حدثني أمية بن خالد قال: نا حماد بن زيد عن أيوب قال: قيل لابن الأشعث: إن أحببت أن يقتلوا حولك كما قتلوا حول جمل عائشة فأخرج الحسن.
ومن أهل الكوفة: سعيد بن جبير، وعامر الشعبي، وعبد الله بن شداد بن الهادي فقد ليلة دجيل، وعبد الرحمن بن أبي ليلى فقد ليلة دجيل.
وحدثني غند ر قال: حد ثني شعبة عن حصين قال: رأيت ابن أبي ليلى يحضض الناس ليالي الجماجم.
وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود والمعرور بن سويد، ومحمد بن سعد بن مالك، قتل صبرا، وطلحة بن مصرف الأيامي، وزبيد بن الحارث الأيامي، وعطاء بن السائب مولى ثقيف، وأبو البختري الطائي قتل في المعركة.
حدثني عبد الرحمن قال: ناحماد عن أيوب قال: ما صرع مع ابن الأشعث أحد إلا رغب له عن مصرعه، ولا نجا منهم أحد إلا حمد الله الذي سلمه.
وحدثت عن محمد بن طلحة قال: رآني زبيد مع العلاء بن عبد الكريم ونحن نضحك فقال: لو شهدت الجماجم ما ضحكت، ولوددت أن يدي أو قال: يميني قطعت من العضد وأني لم أكن شهدت.
قال أبو الحسن: قال عوانة: قتل الحجاج بمسكن خمسة آلاف أسير أو أربعة آلاف.
وقال: عن الحسن الجفري عن مالك بن دينار قال: خرج مع ابن الأشعث خمسمائة من القراء كلهم يرون القتال، وقتل طفيل بن عامر بن واثلة.
قال الأصمعي: وحدثني عثمان الشحام قال: لما أتي الحجاج بالشعبي عاتبه، فقال الشعبي: أجدب بنا الجناب، وأحزن بنا المنزل، واستحلسنا الخوف، وخبطتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء، فقال له: لله أبوك.