ففيها غزا- فيما ذكر مُحَمَّد بن عمر وغيره- الصائفة عبد العزيز بن الوليد، وكان على الجيش مسلمة بن عبد الملك وفيها غزا أيضا مسلمة الترك، …
وكان على الجيش مسلمة بن عبد الملك وفيها غزا أيضا مسلمة الترك، حتى بلغ الباب من ناحية أذربيجان، ففتح على يديه مدائن وحصون وفيها غزا موسى بن نصير الاندلس، ففتح على يديه أيضا مدائن وحصون وفي هذه السنة قتل قتيبة بن مسلم نيزك طرخان.
تتمه خبر قتيبة مع نيزك
رجع الحديث إلى حديث علي بن محمد وقصة نيزك وظفر قتيبة به حتى قتله ولما قدم من كان قتيبة كتب إليه.
يأمره بالقدوم عليه من أهل أبرشهر وبيورد وسرخس وهراة على قتيبة، سار بالناس إلى مروروذ واستخلف على الحرب حماد بن مسلم، وعلى الخراج عبد الله بن الأهتم.
وبلغ مرزبان مروروذ إقباله إلى بلاده، فهرب إلى بلاد الفرس وقدم قتيبة مروروذ فأخذ ابنين له فقتلهما وصلبهما، ثم سار إلى الطالقان فقام صاحبها ولم يحاربه، فكف عنه، وفيها لصوص، فقتلهم قتيبة وصلبهم، واستعمل على الطالقان عمرو بن مسلم، ومضى إلى الفارياب، فخرج إليه ملك الفارياب مذعنا مقرا بطاعته، فرضي عنه، ولم يقتل بها أحدا، واستعمل عليها رجلا من باهلة وبلغ صاحب الجوزجان خبرهم، فترك أرضه وخرج إلى الجبال هاربا، وسار قتيبة إلى الجوزجان فلقيه أهلها سامعين مطيعين، فقبل منهم، فلم يقتل فيها أحدا، واستعمل عليها عامر بن مالك الحماني، ثم أتى بلخ فلقيه الأصبهبذ في أهل بلخ، فدخلها فلم يقم بها إلا يوما واحدا.
ثم مضى يتبع عبد الرحمن حتى أتى شعب خلم، وقد مضى نيزك فعسكر ببغلان، وخلف مقاتلة على فم الشعب ومضايقه يمنعونه، ووضع مقاتلة في قلعة حصينة من وراء الشعب، فأقام قتيبة أياما يقاتلهم على مضيق الشعب لا يقدر منهم على شيء، ولا يقدر على دخوله، وهو مضيق، الوادي يجرى وسطه، ولا يعرف طريقا يفضي به إلى نيزك إلا الشعب أو مفازة لا تحتمل العساكر، فبقي متلددا يلتمس الحيل.
قال: فهو في ذلك إذ قدم عليه الرؤب خان ملك الرؤب وسمنجان، فاستأمنه على أن يدله على مدخل القلعة التي وراء هذا الشعب، فآمنه قتيبة، وأعطاه ما سأله، وبعث معه رجالا ليلا، فانتهى بهم إلى القلعة التي من وراء شعب خلم، فطرقوهم وهم آمنون فقتلوهم، وهرب من بقي منهم ومن كان في الشعب، فدخل قتيبة والناس الشعب، فأتى القلعة ثم مضى إلى سمنجان ونيزك ببغلان بعين تدعى فنج جاه، وبين سمنجان وبغلان مفازة ليست بالشديدة قال: فأقام قتيبة بسمنجان أياما، ثم سار نيزك، وقدم أخاه عبد الرحمن، وبلغ نيزك فارتحل من منزله حتى قطع وادي فرغانة، ووجه ثقله وأمواله إلى كابل شاه، ومضى حتى نزل الكرز وعبد الرحمن بن مسلم يتبعه، فنزل عبد الرحمن وأخذ بمضايق الكرز، ونزل قتيبة أسكيمشت بينه وبين عبد الرحمن فرسخان فتحرز نيزك في الكرز وليس إليه مسلك إلا من وجه واحد، وذلك الوجه صعب لا تطيقه الدواب، فحصره قتيبة شهرين حتى قل ما في يد نيزك من الطعام، وأصابهم الجدري وجدر جبغويه، وخاف قتيبة الشتاء، فدعا سليما الناصح، فقال: انطلق إلى نيزك واحتل لأن تأتيني به بغير أمان، فإن أعياك وأبى فآمنه، واعلم أني إن عاينتك وليس هو معك صلبتك، فاعمل لنفسك قال: فاكتب لي إلى عبد الرحمن لا يخالفني، قال: نعم، فكتب له إلى عبد الرحمن فقدم عليه، فقال له: ابعث رجالا فليكونوا على فم الشعب، فإذا خرجت أنا ونيزك فليعطفوا من ورائنا فيحولوا بيننا وبين الشعب قال: فبعث عبد الرحمن خيلا فكانوا حيث أمرهم سليم، ومضى سليم وقد حمل معه من الأطعمة التي تبقى أياما والأخبصة أوقارا، حتى أتى نيزك، فقال له نيزك: خذلتني يا سليم، قال: ما خذلتك، ولكنك عصيتني وأسأت بنفسك، خلعت وغدرت، قال: فما الرأي؟ قال: الرأي أن تأتيه فقد أمحكته، وليس ببارح موضعه هذا، قد اعتزم على أن يشتو بمكانه، هلك أو سلم، قال: آتيه على غير أمان! قال: ما أظنه يؤمنك لما في قلبه عليك، فإنك قد ملأته غيظا، ولكنى ارى الا يعلم بك حتى تضع يدك في يده، فانى أرجو ان فعلت ذاك ان يستحيى ويعفو عنك، قال:
أترى ذلك؟ قال: نعم، قال: إن نفسي لتأبى هذا، وهو إن رآني قتلني، فقال له سليم: ما أتيتك إلا لأشير عليك بهذا، ولو فعلت لرجوت أن تسلم وأن تعود حالك عنده إلى ما كانت، فأما إذ أبيت فإني منصرف قال: فنغديك إذا، قال: إني لأظنكم في شغل عن تهيئة الطعام، ومعنا طعام كثير.
قال: ودعا سليم بالغداء فجاءوا بطعام كثير لا عهد لهم بمثله منذ حصروا، فانتهبه الأتراك، فغم ذلك نيزك، وقال سليم: يا أبا الهياج، أنا لك من الناصحين، أرى أصحابك قد جهدوا، وإن طال بهم الحصار وأقمت على حالك لم آمنهم أن يستأمنوا بك، فانطلق وأت قتيبة، قال:
ما كنت لآمنه على نفسي، ولا آتيه على غير أمان، فإن ظني به أنه قاتلي وإن آمنني، ولكن الأمان أعذر لي وأرجى، قال: فقد آمنك أفتتهمني! قال: لا، قال: فانطلق معي، قال له أصحابه: اقبل قول سليم، فلم يكن ليقول إلا حقا، فدعا بدوابه وخرج مع سليم، فلما انتهى إلى الدرجة التي يهبط منها إلى قرار الأرض قال: يا سليم، من كان لا يعلم متى يموت فإني أعلم متى أموت، أموت إذا عاينت قتيبة، قال: كلا أيقتلك مع الأمان! فركب ومضى معه جبغويه- وقد برا من الجدري- صول وعثمان ابنا أخي نيزك- صول طرخان خليفه جبغويه، وخنس طرخان صاحب شرطه- قال: فلما خرج من الشعب عطفت الخيل التي خلفها سليم على فوهة الشعب، فحالوا بين الأتراك وبين الخروج، فقال نيزك لسليم: هذا أول الشر، قال: لا تفعل، تخلف هؤلاء عنك خير لك وأقبل سليم ونيزك ومن خرج معه حتى دخلوا على عبد الرحمن بن مسلم، فأرسل رسولا إلى قتيبة يعلمه، فأرسل قتيبة عمرو بن أبي مهزم إلى عبد الرحمن:
أن أقدم بهم علي، فقدم بهم عبد الرحمن عليه، فحبس أصحاب نيزك، ودفع نيزك إلى ابن بسام الليثي، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في قتل نيزك، فجعل ابن بسام نيزك في قبته، وحفر حول القبة خندقا، ووضع عليه حرسا ووجه قتيبة معاوية بن عامر بن علقمة العليمي، فاستخرج ما كان في الكرز من متاع ومن كان فيه، وقدم به على قتيبة، فحبسهم ينتظر كتاب الحجاج فيما كتب إليه، فأتاه كتاب الحجاج بعد اربعين يوما يأمره بقتل نيزك قال: فدعا به فقال: هل لك عندي عقد أو عند عبد الرحمن أو عند سليم؟ قال: لي عند سليم، قال: كذبت، وقام فدخل ورد نيزك إلى حبسه، فمكث ثلاثة أيام لا يظهر للناس قال: فقام المهلب ابن اياس العدوى، وتكلم في أمر نيزك، فقال بعضهم: ما يحل له أن يقتله، وقال بعضهم: ما يحل له تركه، وكثرت الاقاويل فيه وخرج قتيبة اليوم الرابع فجلس وأذن للناس، فقال: ما ترون في قتل نيزك؟
فاختلفوا، فقال قائل: اقتله، وقال قائل: أعطيته عهدا فلا تقتله، وقال قائل: ما نأمنه على المسلمين ودخل ضرار بن حصين الضبي فقال:
ما تقول يا ضرار؟ قال: أقول: إني سمعتك تقول: أعطيت الله عهدا إن أمكنك منه أن تقتله، فإن لم تفعل لا ينصرنك الله عليه أبدا فأطرق قتيبة طويلا، ثم قال: والله لو لم يبق من أجلي إلا ثلاث كلمات لقلت:
اقتلوه، اقتلوه، اقتلوه، وأرسل إلى نيزك فأمر بقتله وأصحابه فقتل مع سبعمائة.
وأما الباهليون فيقولون: لم يؤمنه ولم يؤمنه سليم، فلما أراد قتله دعا به ودعا بسيف حنفي فانتضاه وطول كميه ثم ضرب عنقه بيده، وأمر عبد الرحمن فضرب عنق صول، وأمر صالحا فقتل عثمان- ويقال:
شقران ابن أخي نيزك- وقال لبكر بن حبيب السهمي من باهلة: هل بك قوة؟ قال: نعم، واريد- وكانت في بكر أعرابية- فقال: دونك هؤلاء الدهاقين قال: وكان إذا أتي برجل ضرب عنقه وقال: أوردوا ولا تصدروا، فكان من قتل يومئذ اثنا عشر ألفا في قول الباهليين، وصلب نيزك وابنى أخيه في أصل عين تدعى وخش خاشان في أسكيمشت، فقال المغيرة بن حبناء يذكر ذلك في كلمة له طويلة:
لعمري لنعمت غزوة الجند غزوة *** قضت نحبها من نيزك وتعلت
قَالَ علي: أَخْبَرَنَا مُصْعَب بن حيان، عن أبيه، قال: بعث قتيبة برأس نيزك مع محفن بن جزء الكلابي، وسوار بن زهدم الجرمي، فقال الحجاج: إن كان قتيبة لحقيقا أن يبعث برأس نيزك مع ولد مسلم، فقال سوار:
أقول لمحفن وجرى سنيح *** وآخر بارح من عن يميني
وقد جعلت بوائق من أمور *** ترفع حوله وتكف دوني
نشدتك هل يسرك ان سرجى *** وسرجك فوق ابغل باذيين
قال: فقال محفن: نعم وبالصين.
قال علي: أخبرنا حمزة بن إبراهيم، وعلي بن مجاهد، عن حنبل بن أبي حريدة، عن مرزبان قهستان وغيرهما، أن قتيبة دعا يوما بنيزك وهو محبوس، فقال: ما رأيك في السبل والشذ؟ أتراهما يأتيان إن أرسلت إليهما؟ قال: لا، قال: فأرسل إليهما قتيبة فقدما عليه، ودعا نيزك وجبغويه فدخلا، فإذا السبل، والشذ بين يديه على كرسيين، فجلسا بإزائهما، فقال الشذ لقتيبة: إن جبغويه- وإن كان لي عدوا- فهو أسن مني، وهو الملك وأنا كعبده، فأذن لي أدن منه، فأذن له، فدنا منه، فقبل يده وسجد له، قال: ثم استأذنه في السبل، فأذن له فدنا منه فقبل يده، فقال نيزك لقتيبة: ائذن لي أدن من الشذ، فإني عبده، فأذن له، فدنا منه فقبل يده، ثم أذن قتيبة للسبل والشذ فانصرفا إلى بلادهما، وضم إلى الشذ الحجاج القيني، وكان من وجوه أهل خراسان وقتل قتيبة نيزك، فأخذ الزبير مولى عابس الباهلي خفا لنيزك فيه جوهر، وكان أكثر من في بلاده مالا وعقارا، من ذلك الجوهر الذي أصابه في خفه فسوغه إياه قتيبة، فلم يزل موسرا حتى هلك بكابل في ولاية ابى داود.
قال: واطلق قتيبة جبغويه ومن عليه، وبعث به إلى الوليد، فلم يزل بالشام حتى مات الوليد ورجع قتيبة إلى مرو، واستعمل أخاه عبد الرحمن على بلخ، فكان الناس يقولون: غدر قتيبة بنيزك، فقال ثابت قطنة:
لا تحسبن الغدر حزما فربما *** ترقت به الأقدام يوما فزلت
وقال: وكان الحجاج يقول: بعثت قتيبة فتى غرا فما زدته ذراعا إلا زادني باعا.
قال علي: أخبرنا حمزة بن إبراهيم، عن أشياخ من أهل خراسان، وعلي بن مجاهد، عن حنبل بن أبي حريدة، عن مرزبان قهستان وغيرهما، أن قتيبة بن مسلم لما رجع إلى مرو وقتل نيزك طلب ملك الجوزجان- وكان قد هرب عن بلاده- فأرسل يطلب الأمان، فآمنه على أن يأتيه فيصالحه، فطلب رهنا يكونون في يديه ويعطي رهائن، فأعطى قتيبة حبيب بن عبد الله بن عمرو بن حصين الباهلي، وأعطى ملك الجوزجان رهائن من أهل بيته، فخلف ملك الجوزجان حبيبا بالجوزجان في بعض حصونه، وقدم على قتيبة فصالحه، ثم رجع فمات بالطالقان.
فقال أهل الجوزجان سموه، فقتلوا حبيبا، وقتل قتيبة الرهن الذين كانوا عنده، فقال نهار بن توسعة لقتيبة:
أراك الله في الأتراك حكما *** كحكم في قريظة والنضير
قضاء من قتيبة غير جور *** به يشفى الغليل من الصدور
فإن ير نيزك خزيا وذلا *** فكم في الحرب حمق من أمير!
وقال المغيرة بن حبناء يمدح قتيبة ويذكر قتل نيزك وصول ابن أخي نيزك وعثمان- أو شقران:
لمن الديار عفت بسفح سنام *** إلا بقية أيصر وثمام
عصف الرياح ذيولها فمحونها *** وجرين فوق عراصها بتمام
دار لجارية كأن رضا بها *** مسك يشاب مزاجه بمدام
أبلغ أبا حفص قتيبة مدحتي *** واقرأ عليه تحيتي وسلامي
يا سيف أبلغها فإن ثناءها *** حسن وإنك شاهد لمقامي
يسمو فتتضع الرجال إذا سما *** لقتيبة الحامي حمى الإسلام
لأغر منتجب لكل عظيمة *** نحر يباح به العدو لهام
يمضي إذا هاب الجبان وأحمشت *** حرب تسعر نارها بضرام
تروى القناة مع اللواء أمامه *** تحت اللوامع والنحور دوام
والهام تفريه السيوف كأنه *** بالقاع حين تراه قيض نعام
وترى الجياد مع الجياد ضوامرا *** بفنائه لحوادث الأيام
وبهن أنزل نيزكا من شاهق *** والكرز حيث يروم كل مرام
وأخاه شقرانا سقيت بكأسه *** وسقيت كأسهما أخا باذام
وتركت صولا حين صال مجدلا *** يركبنه بدوابر وحوام
خبر غزو قتيبة شومان وكس ونسف
وفي هذه السنة- أعني سنة إحدى وتسعين- غزا قتيبة شومان وكس ونسف غزوته الثانية وصالح طوخان.
ذكر الخبر عن ذَلِكَ:
قَالَ علي: أَخْبَرَنَا بشر بن عيسى عن أبي صفوان، وأبو السري وجبلة بن فروخ عن سُلَيْمَان بن مجالد، والحسن بن رشيد عن طفيل بن مرداس العمي، وأبو السري المروزي عن عمه، وبشر بن عيسى وعلى ابن مجاهد، عن حنبل بن أبي حريدة عن مرزبان قهستان، وعياش ابن عبد الله الغنوي، عن أشياخ من أهل خراسان، قال: وحدثني ظئري- كل قد ذكر شيئا، فألفته، وأدخلت من حديث بعضهم في حديث بعض- أن فيلسنشب باذق- وقال بعضهم: قيسبشتان ملك شومان- طرد عامل قتيبة ومنع الفدية التي صالح عليها قتيبة، فبعث إليه قتيبة عياشا الغنوي ومعه رجل من نساك أهل خراسان يدعوان ملك شومان إلى أن يؤدي الفدية على ما صالح عليه قتيبة، فقد ما البلد، فخرجوا إليهما فرموهما، فانصرف الرجل وأقام عياش الغنوي فقال: اما هاهنا مسلم! فخرج إليه رجل من المدينة فقال: أنا مسلم، فما تريد؟ قال: تعينني على جهادهم، قال:
نعم، فقال له عياش: كن خلفي لتمنع لي ظهري، فقام خلفه- وكان اسم الرجل المهلب- فقاتلهم عياش، فحمل عليهم، فتفرقوا عنه، وحمل المهلب على عياش من خلفه فقتله، فوجدوا به ستين جراحة، فغمهم قتله، وقالوا: قتلنا رجلا شجاعا.
وبلغ قتيبة، فسار إليهم بنفسه، وأخذ طريق بلخ، فلما أتاها قدم أخاه عبد الرحمن، واستعمل على بلخ عمرو بن مسلم، وكان ملك شومان صديقا لصالح بن مسلم، فأرسل إليه صالح رجلا يأمره بالطاعة، ويضمن له رضا قتيبة إن رجع إلى الصلح، فأبى وقال لرسول صالح:
ما تخوفني به من قتيبة، وأنا أمنع الملوك حصنا أرمي أعلاه، وأنا أشد الناس قوسا وأشد الناس رميا، فلا تبلغ نشابتي نصف حصني، فما أخاف من قتيبة! فمضى قتيبة من بلخ فعبر النهر، ثم أتى شومان وقد تحصن ملكها فوضع عليه المجانيق، ورمى حصنه فهشمه، فلما خاف أن يظهر عليه، ورأى ما نزل به جمع ما كان له من مال وجوهر فرمى به في عين في وسط القلعة لا يدرك قعرها.
قال: ثم فتح القلعة وخرج إليهم فقاتلهم فقتل، وأخذ قتيبة القلعة عنوة، فقتل المقاتلة وسبى الذرية، ثم رجع إلى باب الحديد فأجاز منه إلى كس ونسف، وكتب إليه الحجاج، أن كس بكس وانسف نسف، وإياك والتحويط ففتح كس ونسف، وامتنع عليه فرياب فحرقها فسميت المحترقة وسرح قتيبة من كس ونسف أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى السغد، إلى طرخون، فسار حتى نزل بمرج قريبا منهم، وذلك في وقت العصر، فانتبذ الناس وشربوا حتى عبثوا وعاثوا وأفسدوا، فأمر عبد الرحمن أبا مرضية- مولى لهم- أن يمنع الناس من شرب العصير، فكان يضربهم ويكسر آنيتهم ويصب نبيذهم، فسال في الوادي، فسمي مرج النبيذ، فقال بعض شعرائهم:
أما النبيذ فلست أشربه *** أخشى أبا مرضيه الكلب
متعسفا يسعى بشكته *** يتوثب الحيطان للشرب
فقبض عبد الرحمن من طرخون شيئا كان قد صالحه عليه قتيبة، ودفع إليه رهنا كانوا معه، وانصرف عبد الرحمن إلى قتيبة وهو ببخارى، فرجعوا إلى مرو، فقالت السغد لطرخون: إنك قد رضيت بالذل واستطبت الجزية، وأنت شيخ كبير فلا حاجة لنا بك قال: فولوا من أحببتم قال: فولوا غوزك، وحبسوا طرخون، فقال طرخون: ليس بعد سلب الملك إلا القتل، فيكون ذلك بيدي أحب إلي من أن يليه مني غيري، فاتكأ على سيفه حتى خرج من ظهره قال: وإنما صنعوا بطرخون هذا حين خرج قتيبة إلى سجستان وولوا غوزك.
وأما الباهليون فيقولون: حصر قتيبة ملك شومان، ووضع على قلعته المجانيق، ووضع منجنيقا كان يسميها الفحجاء، فرمى بأول حجر فأصاب الحائط، ورمى بآخر فوقع في المدينة، ثم تتابعت الحجارة في المدينة فوقع حجر منها في مجلس الملك، فأصاب رجلا فقتله، ففتح القلعة عنوة، ثم رجع إلى كس ونسف، ثم مضى إلى بخارى فنزل قرية فيها بيت نار وبيت آلهة، وكان فيها طواويس، فسموه منزل الطواويس، ثم سار إلى طرخون بالسغد ليقبض منه ما كان صالحه عليه، فلما أشرف على وادي السغد فرأى حسنه تمثل:
واد خصيب عشيب ظل يمنعه *** من الأنيس حذار اليوم ذي الرهج
وردته بعنانيج مسومة *** يردين بالشعث سفاكين للمهج
قال: فقبض من طرخون صلحه، ثم رجع إلى بخارى فملك بخارى خذاه غلاما حدثا، وقتل من خاف أن يضاده، ثم أخذ على آمل ثم أتى مرو.
قال: وذكر الباهليون عن بشار بن عمرو، عن رجل من باهلة، قال:
لم يفرغ الناس من ضرب أبنيتهم حتى افتتحت القلعة
ولايه خالد بن عبد الله القسرى على مكة
وفي هذه السنة ولى الوليد بن عبد الملك مكة خالد بن عبد الله القسري فلم يزل واليا عليها إلى أن مات الوليد فذكر مُحَمَّد بن عمر الواقدي أن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة حدثه عن نافع مولى بني مخزوم، قال: سمعت خالد بن عبد الله يقول:
يايها الناس، إنكم بأعظم بلاد الله حرمة، وهي التي اختار الله من البلدان، فوضع بها بيته، ثم كتب على عباده حجه من استطاع إليه سبيلا أيها الناس، فعليكم بالطاعة، ولزوم الجماعة، وإياكم والشبهات، فإني والله ما أوتي بأحد يطعن على إمامه إلا صلبته في الحرم إن الله جعل الخلافة منه بالموضع الذي جعلها، فسلموا وأطيعوا، ولا تقولوا كيت وكيت إنه لا رأي فيما كتب به الخليفة أو رآه إلا إمضاؤه، واعلموا أنه بلغني أن قوما من أهل الخلاف يقدمون عليكم، ويقيمون في بلادكم، فإياكم أن تنزلوا أحدا ممن تعلمون أنه زائغ عن الجماعة، فإني لا أجد أحدا منهم في منزل أحد منكم إلا هدمت منزله، فانظروا من تنزلون في منازلكم، وعليكم بالجماعة والطاعة، فإن الفرقة هي البلاء العظيم.
قال مُحَمَّد بن عمرو: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عن أبي حبيبة، قال: اعتمرت فنزلت دور بني أسد في منازل الزبير، فلم أشعر الا به يدعوني، فدخلت عليه، فقال: من أنت؟ قلت: من أهل المدينة، قال: ما أنزلك في منازل المخالف للطاعة! قلت: إنما مقامي أن أقمت يوما أو بعضه، ثم أرجع إلى منزلي وليس عندي خلاف، أنا ممن يعظم أمر الخلافة، وأزعم أن من جحدها فقد هلك قال: فلا عليك ما أقمت، إنما يكره أن يقيم من كان زاريا على الخليفة، قلت:
معاذ الله! وسمعته يوما يقول: والله لو أعلم أن هذه الوحش التي تأمن في الحرم لو نطقت لم تقر بالطاعة لأخرجتها من الحرم إنه لا يسكن حرم الله وأمنه مخالف للجماعة، زار عليهم قلت: وفق الله الأمير.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة الْوَلِيد بن عبد الملك، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر، قال: حج الوليد بن عبد الملك سنة إحدى وتسعين.
وكذلك قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ أبي بكر، قال: حدثنا صالح بن كيسان، قال: لما حضر قدوم الوليد أمر عمر بن عبد العزيز عشرين رجلا من قريش يخرجون معه، فيتلقون الوليد بن عبد الملك، منهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن عبد الحارث بن هشام، وأخوه مُحَمَّد بن عبد الرحمن، وعبد اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فخرجوا حتى بلغوا السويداء، وهم مع عمر بن عبد العزيز- وفي الناس يومئذ دواب وخيل- فلقوا الوليد وهو على ظهر، فقال لهم الحاجب: انزلوا لأمير المؤمنين، فنزلوا، ثم أمرهم فركبوا، فدعا بعمر بن عبد العزيز فسايره حتى نزل بذي خشب، ثم أحضروا، فدعاهم رجلا رجلا، فسلموا عليه، ودعا بالغداء، فتغدوا عنده، وراح من ذي خشب، فلما دخل المدينة غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه، فأخرج الناس منه، فما ترك فيه أحد، وبقي سعيد بن المسيب ما يجترئ أحد من الحرس أن يخرجه، وما عليه إلا ريطتان ما تساويان إلا خمسة دراهم في مصلاه، فقيل له:
لو قمت! قال: والله لا أقوم حتى يأتي الوقت الذي كنت أقوم فيه قيل:
فلو سلمت على أمير المؤمنين! قال: والله لا أقوم إليه قال عمر بن عبد العزيز: فجعلت اعدل بالوليد في ناحيه المسجد رجاء الا يرى سعيدا حتى يقوم، فحانت من الوليد نظرة إلى القبلة، فقال: من ذلك الجالس؟
أهو الشيخ سعيد بن المسيب؟ فجعل عمر يقول: نعم يا أمير المؤمنين ومن حاله ومن حاله ولو علم بمكانك لقام فسلم عليك، وهو ضعيف البصر.
قال الوليد: قد علمت حاله، ونحن نأتيه فنسلم عليه، فدار في المسجد حتى وقف على القبر، ثم أقبل حتى وقف على سعيد فقال: كيف أنت ايها الشيخ؟ فو الله ما تحرك سعيد ولا قام، فقال: بخير والحمد لله، فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله؟ قال الوليد: خير والحمد لله فانصرف وهو يقول لعمر: هذا بقية الناس، فقلت: أجل يا أمير المؤمنين.
قال: وقسم الوليد بالمدينة رقيقا كثيرا عجما بين الناس، وآنية من ذهب وفضة، وأموالا وخطب بالمدينة في الجمعة وصلى بهم.
قال مُحَمَّد بن عمر: وحدثني إسحاق بن يحيى، قال: رأيت الوليد يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة عام حج، قد صف له جنده صفين من المنبر إلى جدار مؤخر المسجد، في أيديهم الجرزة وعمد الحديد على العواتق، فرأيته طلع في دراعة وقلنسوة، ما عليه رداء، فصعد المنبر، فلما صعد سلم ثم جلس فأذن المؤذنون، ثم سكتوا، فخطب الخطبة الأولى وهو جالس، ثم قام فخطب الثانية قائما، قال إسحاق: فلقيت رجاء بن حيوة وهو معه، فقلت: هكذا يصنعون! قال: نعم، وهكذا صنع معاوية فهلم جرا، قلت: أفلا تكلمه؟ قال: أخبرني قبيصة بن ذؤيب أنه كلم عبد الملك بن مروان فأبى أن يفعل، وقال: هكذا خطب عثمان، فقلت: والله ما خطب هكذا، ما خطب عثمان إلا قائما قال رجاء: روي لهم هذا فأخذوا به.
قال إسحاق: لم نر منهم أحدا أشد تجبرا منه.
قال مُحَمَّد بن عمر: وقدم بطيب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجمره وبكسوة الكعبة فنشرت وعلقت على حبال في المسجد من ديباج حسن لم ير مثله قط، فنشرها يوما وطوي ورفع.
قال: وأقام الحج الوليد بن عبد الملك.
وكانت عمال الأمصار فِي هَذِهِ السنة هم العمال الذين كانوا عمالها في سنة تسعين، غير مكة فإن عاملها كان في هذه السنة خالد بن عبد الله القسري في قول الواقدي.
وقال غيره: كانت ولاية مكة في هذه السنة أيضا إلى عمر بن عبد العزيز.