جلس أبو سفيان بن حرب يوما في نادي قومه، فقال: ألا رجل يذهب لمحمّد فيقتله غدا فإنه يمشي بالأسواق لنستريح منه؟ …
فتقدم له رجل وتعهّد له بما أراد. فأعطاه راحلة ونفقة وجهّزه لذلك، فخرج الرجل حتى وصل إلى المدينة صبح سادسة من خروجه، فسأل عن رسول الله فدل عليه وهو بمسجد بني عبد الأشهل، فلما راه عليه الصلاة والسلام قال: «إنّ هذا الرجل ليريد غدرا وإنّ الله مانعي منه» فذهب لينحني على الرسول، فجذبه أسيد بن حضير من إزاره وهنالك سقط الخنجر، فندم الرجل على فعلته، ثم سأله عليه الصلاة والسلام عن سبب عمله فصدقه بعد أن توثق من حفظ دمه فخلى عليه الصلاة والسلام سبيله، فقال الرجل: والله يا محمّد ما كنت أخاف الرجال فما هو إلّا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت نفسي، ثم إنك أطّلعت على ما هممت به مما لم يعلمه أحد، فعرفت أنك ممنوع، وأنك على حق، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان ثم أسلم.
وعند ذلك أرسل عليه السلام عمرو بن أمية الضّمري، وكان رجلا جريئا فاتكا في الجاهلية وأصحبه برفيق، ليقتلا أبا سفيان غيلة جزاء اعتدائه، فلمّا قدما مكّة توجّها ليطوفا بالبيت قبل أن يؤديا ما أرسلا له، فعرف عمرا أحد رجال مكّة فقال: هذا عمرو بن أمية ما جاء إلّا بشر، فلمّا راهم علموا به لم يجد مناصا من الهرب، فاصطحب معه رفيقه، ورجعا إلى المدينة. وكأن الله سبحانه أراد أن يعيش أبو سفيان حتى يسلم بيده مفاتيح مكّة للمسلمين، ويعتنق الدّين الحنيفي القويم.