فزعم أَبُو معشر أن غزوة الصواري كَانَتْ فِيهَا، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أحمد، عمن حدثه، عن إِسْحَاق، عنه وَقَدْ مضى الخبر عن هَذِهِ الغزوة …
وذكر من خالف أبا معشر فِي وقتها. وفيها كَانَ رد أهل الْكُوفَة سَعِيد بن العاص عن الكوفه.
ذكر خبر اجتماع المنحرفين على عثمان
وفي هَذِهِ السنة تكاتب المنحرفون عن عُثْمَان بن عَفَّانَ للاجتماع لمناظرته فِيمَا كَانُوا يذكرون أَنَّهُمْ نقموا عَلَيْهِ.
ذكر الخبر عن صفة اجتماعهم لذلك وخبر الجرعة:
مما كَتَبَ إِلَيَّ بِهِ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن المستنير بن يَزِيدَ، عن قيس بن يَزِيدَ النخعي، قَالَ: لما رجع مُعَاوِيَة المسيرين، قَالُوا: إن العراق والشام ليسا لنا بدار، فعَلَيْكُمْ بالجزيرة فأتوها اختيارا.
فغدا عَلَيْهِم عبد الرَّحْمَن بن خَالِد، فسامهم الشدة، فضرعوا لَهُ وتابعوه.
وسرح الأَشْتَر إِلَى عُثْمَانَ، فدعا بِهِ، وَقَالَ: اذهب حَيْثُ شئت، فَقَالَ:
أرجع إِلَى عبد الرَّحْمَن، فرجع ووفد سَعِيد بن الْعَاصِ إِلَى عُثْمَانَ فِي سنة إحدى عشرة من إمارة عُثْمَان وقبل مخرج سَعِيد بن الْعَاصِ من الْكُوفَة بسنة وبعض أخرى بعث الأشعث بن قيس عَلَى أذربيجان، وسعيد بن قيس عَلَى الري، وَكَانَ سَعِيد بن قيس عَلَى همذان، فعزل وجعل عَلَيْهَا النسير العجلي، وعلى إصبهان السَّائِب بن الأقرع، وعلى ماه مالك بن حبيب اليربوعي، وعلى الموصل حكيم بن سلامة الحزامي، وجرير بن عَبْدِ اللَّهِ عَلَى قرقيسياء، وسلمان ابن رَبِيعَةَ عَلَى الباب، وعلى الحرب القعقاع بن عمرو، وعلى حلوان عتيبة ابن النهاس، وخلت الْكُوفَة من الرؤساء إلا منزوعا أو مفتونا.
فخرج يَزِيد بن قيس وَهُوَ يريد خلع عُثْمَان، فدخل المسجد، فجلس فِيهِ، وثاب إِلَيْهِ الَّذِينَ كَانَ فِيهِ ابن السوداء يكاتبهم، فانقض عَلَيْهِ القعقاع، فأخذ يَزِيد بن قيس، فَقَالَ: إنما نستعفي من سَعِيد، قَالَ: هَذَا مَا لا يعرض لكم فِيهِ، لا تجلس لهذا وَلا يجتمعن إليك، واطلب حاجتك، فلعمري لتعطينها فرجع إِلَى بيته واستأجر رجلا، وأعطاه دراهم وبغلا عَلَى أن يأتي المسيرين وكتب إِلَيْهِم: لا تضعوا كتابي من أيديكم حَتَّى تجيئوا، فإن أهل المصر قَدْ جامعونا فانطلق الرجل، فأتى عَلَيْهِم وَقَدْ رجع الأَشْتَر، فدفع إِلَيْهِم الكتاب، فَقَالُوا: مَا اسمك؟ قَالَ: بغثر، قَالُوا: ممن؟ قَالَ: من كلب، قَالُوا: سبع ذليل يبغثر النفوس، لا حاجة لنا بك وخالفهم الأَشْتَر، ورجع عاصيا، فلما خرج قَالَ أَصْحَابه: أخرجنا أخرجه اللَّه، لا نجد بدا مما صنع، إن علم بنا عبد الرَّحْمَن لم يصدقنا ولم يستقلها، فاتبعوه فلم يلحقوه، وبلغ عبد الرَّحْمَن أَنَّهُمْ قَدْ رحلوا فطلبهم فِي السواد، فسار الأَشْتَر سبعا والقوم عشرا، فلم يفجأ الناس فِي يوم جمعة إلا والأشتر عَلَى باب المسجد يقول: أَيُّهَا النَّاسُ، إني قَدْ جئتكم من عِنْدَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان، وتركت سعيدا يريده عَلَى نقصان نسائكم إِلَى مائة درهم ورد أهل البلاء مِنْكُمْ إِلَى ألفين ويقول: مَا بال أشراف النساء، وهذه العلاوة بين هَذَيْنِ العدلين! ويزعم ان فيئكم بستان قريش، وَقَدْ سايرته مرحلة، فما زال يرجز بِذَلِكَ حَتَّى فارقته، يقول:
ويل لأشراف النساء مني *** صمحمح كأنني من جن
فاستخف الناس، وجعل أهل الحجى ينهونه فلا يسمع مِنْهُمْ، وكانت نفجة، فخرج يَزِيد، وأمر مناديا ينادي: من شاء ان يلحق بيزيد ابن قيس لرد سَعِيد وطلب أَمِير غيره فليفعل وبقي حلماء الناس وأشرافهم ووجوههم فِي المسجد، وذهب من سواهم، وعمرو بن حريث يَوْمَئِذٍ الخليفة، فصعد الْمِنْبَر فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وقال: {وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران: 103]، بعد ان {كُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا} [آل عمران: 103]، فلا تعودوا فِي شر قَدِ استنقذكم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ أبعد الإِسْلام وهديه وسنته لا تعرفون حقا، وَلا تصيبون بابه! فَقَالَ القعقاع بن عَمْرو: أترد السيل عن عبابه! فاردد الفرات عن أدراجه، هيهات! لا وَاللَّهِ لا تسكن الغوغاء إلا المشرفية ويوشك أن تنتضى، ثُمَّ يعجون عجيج العتدان ويتمنون مَا هم فِيهِ فلا يرده اللَّه عَلَيْهِم أبدا فاصبر، فَقَالَ: أصبر، وتحول إِلَى منزله، وخرج يزيد ابن قيس حَتَّى نزل الجرعة، وَمَعَهُ الأَشْتَر، وَقَدْ كَانَ سَعِيد تلبث فِي الطريق، فطلع عَلَيْهِم سَعِيد وهم مقيمون لَهُ معسكرون، فَقَالُوا: لا حاجة لنا بك.
فَقَالَ: فما اختلفتم الآن، إنما كَانَ يكفيكم أن تبعثوا إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ رجلا وتضعوا إلي رجلا وهل يخرج الألف لَهُمْ عقول إِلَى رجل! ثُمَّ انصرف عَنْهُمْ وتحسوا بمولى لَهُ عَلَى بعير قَدْ حسر، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَانَ ينبغي لسعيد أن يرجع فضرب الأَشْتَر عنقه، ومضى سَعِيد حَتَّى قدم عَلَى عُثْمَانَ، فأخبره الخبر، فَقَالَ: مَا يريدون؟ أخلعوا يدا من طاعة؟ قَالَ: أظهروا أَنَّهُمْ يريدون البدل قَالَ: فمن يريدون؟ قَالَ: أبا مُوسَى، قَالَ: قَدْ أثبتنا أبا موسى عليهم، وو الله لا نجعل لأحد عذرا، وَلا نترك لَهُمْ حجة، ولنصبرن كما أمرنا حَتَّى نبلغ مَا يريدون ورجع من قرب عمله من الْكُوفَة، ورجع جرير من قرقيسياء وعتيبة من حلوان وقام أَبُو مُوسَى فتكلم بالكوفة فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لا تنفروا فِي مثل هَذَا، وَلا تعودوا لمثله، الزموا جماعتكم والطاعة، وإياكم والعجلة، اصبروا، فكأنكم بأمير قَالُوا: فصل بنا، قَالَ لا، إلا عَلَى السمع والطاعة لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالُوا: عَلَى السمع والطاعة لِعُثْمَانَ حدثني جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ وَعَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عِيسَى، قَالا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْعَنْبَرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: اجْتَمَعَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَتَذَاكَرُوا أَعْمَالَ عُثْمَانَ وَمَا صَنَعَ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا إِلَيْهِ رَجُلا يُكَلِّمُهُ، ويخبره بأحداثه، فأرسلوا اليه عامر ابن عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيَّ ثُمَّ الْعَنْبَرِيَّ- وَهُوَ الَّذِي يُدْعَى عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ- فَأَتَاهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اجْتَمَعُوا فَنَظَرُوا فِي أَعْمَالِكَ، فَوَجَدُوكَ قَدْ رَكِبْتَ أُمُورًا عِظَامًا، فَاتَّقِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَتُبْ إِلَيْهِ، وَانْزَعْ عَنْهَا قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: انْظُرْ إِلَى هَذَا، فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَارِئٌ، ثم هو يجيء فيكلمني في المحقرات، فو الله مَا يَدْرِي أَيْنَ اللَّهُ! قَالَ عَامِرٌ: أَنَا لا أَدْرِي أَيْنَ اللَّهُ! قَالَ: نَعَمْ، وَاللَّهِ ما تدرى اين الله، قال عامر: بلى وَاللَّهِ إِنِّي لأَدْرِي أَنَّ اللَّهَ بِالْمِرْصَادِ لَكَ فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَإِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَإِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَإِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَإِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، فَجَمَعَهُمْ لِيُشَاوِرَهُمْ فِي أَمْرِهِ وَمَا طَلَبَ إِلَيْهِ، وَمَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ قَالَ لَهُمْ: إِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ وُزَرَاءَ وَنُصَحَاءَ، وَإِنَّكُمْ وُزَرَائِي وَنُصَحَائِي وَأَهْلُ ثِقَتِي، وَقَدْ صَنَعَ النَّاسُ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، وَطَلَبُوا إِلَيَّ أَنْ أَعْزِلَ عُمَّالِي، وَأَنْ أَرْجِعَ عَنْ جَمِيعِ مَا يَكْرَهُونَ إِلَى مَا يُحِبُّونَ، فَاجْتَهِدُوا رَأْيَكُمْ، وَأَشِيرُوا عَلَيَّ.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ: رَأْيِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَأْمُرَهُمْ بِجِهَادٍ يَشْغَلُهُمْ عَنْكَ، وَأَنْ تَجْمُرَهُمْ فِي الْمَغَازِي حَتَّى يَذِلُّوا لَكَ فَلا يَكُونُ هِمَّةُ أَحَدِهِمْ إِلا نَفْسَهُ، وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ دُبْرَةِ دَابَّتِهِ، وَقَمْلِ فَرْوِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ: مَا رَأْيُكَ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كنت ترى رَأْيَنَا فَاحْسِمْ عَنْكَ الدَّاءَ، وَاقْطَعْ عَنْكَ الَّذِي تَخَافُ، وَاعْمَلْ بِرَأْيِي تُصِبْ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ قَادَةً مِتَى تَهْلَكْ يتفرقوا، وَلا يَجْتَمِعُ لَهُمْ أَمْرٌ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّ هَذَا الرَّأْيُ لَوْلا مَا فِيهِ ثُمَّ أَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: مَا رَأْيُكَ؟ قَالَ: أَرَى لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَرُدَّ عُمَّالَكَ عَلَى الْكِفَايَةِ لِمَا قِبَلَهُمْ، وَأَنَا ضَامِنٌ لَكَ قِبَلِي.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، فَقَالَ: مَا رَأْيُكَ؟ قَالَ: أَرَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ النَّاسَ أَهْلُ طَمَعٍ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ تَعْطِفْ عَلَيْكَ قُلُوبُهُمْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ: مَا رَأْيُكَ؟ قَالَ: أَرَى أَنَّكَ قَدْ رَكِبْتَ النَّاسَ بِمَا يَكْرَهُونَ، فَاعْتَزِمْ أَنْ تَعْتِدَلَ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَاعْتَزِمْ أَنْ تَعْتَزِلَ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَاعْتَزِمْ عَزْمًا، وَامْضِ قُدُمًا، فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا لَكَ قَمِلَ فَرْوُكَ؟ أَهَذَا الْجَدُّ مِنْكَ! فَأُسْكِتَ عَنْهُ دَهْرًا، حَتَّى إِذَا تَفَرَّقَ الْقُومُ قَالَ عَمْرٌو: لا وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنْتَ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْتُ أَنْ سَيَبْلُغَ النَّاسَ قَوْلُ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا، فَأَرَدْتُ أَنْ يَبْلُغَهُمْ قَوْلِي فَيَثِقُوا بِي، فَأَقُودُ إِلَيْكَ خَيْرًا، أَوْ أَدْفَعُ عَنْكَ شَرًّا حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ، قَالَ: حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين، قَالا: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بن ابى المقدام، عن عبد الملك ابن عُمَيْرٍ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: جَمَعَ عُثْمَانُ أُمَرَاءَ الأَجْنَادِ: مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَنَمَّرُوا لِي، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَأْمُرَ أُمَرَاءَ أَجْنَادِكَ فَيَكْفِيكَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا قِبَلَهُ، وَأَكْفِيكَ أَنَا أَهْلَ الشَّامِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ: أَرَى لَكَ أَنْ تَجْمُرَهُمْ فِي هَذِهِ الْبُعُوثِ حَتَّى يَهِمَّ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ دُبُرَ دَابَّتِهِ، وَتَشْغَلُهُمْ عَنِ الإِرْجَافِ بِكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ: أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَنْظُرَ مَا أَسْخَطَهُمْ فَتُرْضِيهِمْ، ثُمَّ تُخْرِجُ لَهُمْ هَذَا الْمَالَ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ.
ثُمَّ قَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، إِنَّكَ قَدْ رَكِبْتَ النَّاسَ بِمِثْلِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقُلْتَ وَقَالُوا، وَزِغْتَ وَزَاغُوا، فَاعْتَدِلْ أَوِ اعْتَزِلْ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَاعْتَزِمْ عَزْمًا، وَامْضِ قدما، فقال له عثمان: مالك قَمِلَ فَرْوُكَ! أَهَذَا الْجَدُّ مِنْكَ! فَأُسْكِتَ عَمْرٌو حَتَّى إِذَا تَفَرَّقُوا قَالَ: لا وَاللَّهِ يَا امير المؤمنين، لأَنْتَ أَكْرَمُ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ بِالْبَابِ قَوْمًا قَدْ عَلِمُوا أَنَّكَ جَمَعْتَنَا لِنُشِيرَ عَلَيْكَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَهُمْ قَوْلِي، فَأَقُودَ لَكَ خَيْرًا، أَوْ أَدْفَعَ عَنْكَ شَرًّا فَرَدَّ عُثْمَانُ عُمَّالَهُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّضْيِيقِ عَلَى مَنْ قِبَلَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِتَجْمِيرِ النَّاسِ فِي الْبُعُوثِ، وَعَزَمَ عَلَى تَحْرِيمِ أُعْطِيَاتِهِمْ لِيُطِيعُوهُ، وَيَحْتَاجُوا إِلَيْهِ، وَرَدَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ، فَخَرَجَ أَهْلُ الْكُوفَةِ عَلَيْهِ بِالسِّلاحِ، فَتَلَقَّوْهُ فَرَدُّوهُ، وَقَالُوا: لا وَاللَّهِ لا يَلِي عَلَيْنَا حُكْمًا مَا حَمَلْنَا سُيُوفَنَا.
حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو وعلي بن حُسَيْن، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هَارُونَ بن سَعْدٍ، عن أبي يَحْيَى عمير بن سَعْد النخعي، أنه قَالَ: كأني أنظر إِلَى الأَشْتَر مالك بن الْحَارِث النخعي عَلَى وجهه الغبار، وَهُوَ متقلد السيف، وَهُوَ يقول: وَاللَّهِ لا يدخلها علينا مَا حملنا سيوفنا- يعني سعيدا، وَذَلِكَ يوم الجرعة، والجرعة مكان مشرف قرب القادسية- وهناك تلقاه أهل الْكُوفَة.
حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو وَعَلِيٌّ، قَالا: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجَمَلِيِّ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي ثَوْرٍ الْحَدَائِيِّ- وَحَدَاءُ حَيٌّ مِنْ مُرَادٍ- أَنَّهُ قَالَ:
دَفَعْتُ إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَأَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيِّ وَهُمَا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يَوْمَ الْجَرَعَةِ، حَيْثُ صَنَعَ النَّاسُ بِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ مَا صَنَعُوا، وَأَبُو مَسْعُودٍ يُعَظِّمُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: مَا أَرَى أَنْ تُرَدَّ عَلَى عَقِبَيْهَا حَتَّى يَكُونَ فِيهَا دِمَاءٌ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: وَاللَّهِ لَتُرَدَّنَّ عَلَى عَقِبَيْهَا، وَلا يَكُونُ فِيهَا مَحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ، وَمَا أَعْلَمُ مِنْهَا الْيَوْمَ شيئا الا وقد علمته ومحمد صلى الله عليه وسلم حَيٌّ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُصْبِحَ عَلَى الإِسْلامِ ثُمَّ يُمْسِي وَمَا مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ يُقَاتِلُ أَهْلَ الْقِبْلَةِ وَيَقْتُلُهُ اللَّهُ غَدًا، فَيَنْكُصُ قَلْبُهُ، فَتَعْلُوهُ اسْتُهُ فَقُلْتُ لأَبِي ثَوْرٍ: فَلَعَلَّهُ قَدْ كان، قال: لا ولله مَا كَانَ فَلَمَّا رَجَعَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ إِلَى عُثْمَانَ مَطْرُودًا، أَرْسَلَ أَبَا مُوسَى أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ، فَأَقَرُّوهُ عَلَيْهَا.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سيف، عَنْ يَحْيَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَبْدٍ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ الأَشْجَعِيِّ، قَالَ: قَامَ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْفِتْنَةِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اسْكُتُوا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ خَرَجَ وَعَلَى النَّاسِ إِمَامٌ- وَاللَّهِ مَا قَالَ: عَادِلٌ- لِيَشُقَّ عَصَاهُمْ، وَيُفَرِّقَ جَمَاعَتَهُمْ، فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ» .
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قَالا:
لَمَّا اسْتَعْوَى يَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ النَّاسَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، خَرَجَ مِنْهُ ذِكْرٌ لِعُثْمَانَ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو حَتَّى أَخَذَهُ، فَقَالَ: مَا تُرِيدُ؟ أَلَكَ عَلَيْنَا فِي أَنْ نَسْتَعْفِيَ سَبِيلٌ؟ قَالَ: لا، فَهَلْ إِلا ذَلِكَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَاسْتَعْفِ وَاسْتَجْلَبَ يَزِيدُ أَصْحَابَهُ مِنْ حَيْثُ كَانُوا، فَرَدُّوا سَعِيدًا، وَطَلَبُوا أَبَا مُوسَى، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ عُثْمَانُ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَمَّرْتُ عَلَيْكُمْ مَنِ اخْتَرْتُمْ، وَأَعْفَيْتُكُمْ مِنْ سَعِيدٍ، وَاللَّهِ لأَفْرِشَنَّكُمْ عَرْضِي، وَلأَبْذِلَنَّ لَكُمْ صَبْرِي، وَلأَسْتَصْلِحَنَّكُمْ بِجَهْدِي، فَلا تَدَعُوا شَيْئًا أَحْبَبْتُمُوهُ لا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ إِلا سَأَلْتُمُوهُ، وَلا شَيْئًا كَرِهْتُمُوهُ لا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ إِلا اسْتَعْفَيْتُمْ مِنْهُ، أَنْزِلُ فِيهِ عند ما أَحْبَبْتُمْ، حَتَّى لا يَكُونَ لَكُمْ عَلَيَّ حُجَّةٌ.
وَكَتَبَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الأَمْصَارِ، فَقَدِمَتْ إِمَارَةُ أَبِي مُوسَى وَغَزْوُ حُذَيْفَةَ وَتَأَمَّرَ أَبُو مُوسَى، وَرَجَعَ الْعُمَّالُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، وَمَضَى حُذَيْفَةُ إِلَى الْبَابِ.
وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
لَمَّا كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاثِينَ كَتَبَ أَصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ: أَنْ أَقْدِمُوا، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْجِهَادَ فَعِنْدَنَا الْجِهَادُ.
وَكَثُرَ النَّاسُ عَلَى عُثْمَانَ، وَنَالُوا مِنْهُ أَقْبَحَ مَا نِيلَ مِنْ احد، واصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يَرَوْنَ وَيَسْمَعُونَ، لَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ يَنْهَى وَلا يَذُبُّ إِلا نُفَيْرٌ، مِنْهُمْ، زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَكَلَّمُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ.
فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: النَّاسُ وَرَائِي، وَقَدْ كَلَّمُونِي فِيكَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ، وَمَا أَعْرِفُ شَيْئًا تَجْهَلُهُ، وَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ لا تَعْرِفُهُ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ، مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْءٍ فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ، وَلا خَلَوْنَا بِشَيْءٍ فَنِبْلِغَكَهُ، وَمَا خُصِصْنَا بِأَمْرٍ دُونَكَ، وَقَدْ رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ، وَصَحِبْتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَنِلْتَ صِهْرَهُ، وَمَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ، وَلا ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى شيء مِنَ الْخَيْرِ مِنْكَ، وَإِنَّكَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَحِمًا، وَلَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَنَالا، وَلا سَبَقَاكَ إِلَى شَيْءٍ فَاللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ، فَإِنَّكَ وَاللَّهِ مَا تُبْصِرُ مِنْ عَمَى، وَلا تَعْلَمُ مِنْ جَهْلٍ، وَإِنَّ الطَّرِيقَ لَوَاضِحٌ بَيِّنٌ، وَإِنَّ أَعْلامَ الدِّينِ لَقَائِمَةٌ تَعَلَّمْ يَا عُثْمَانُ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ، هُدِيَ وَهَدَى، فأقام سنه معلومه، وأمات بدعه متروكه، فو الله إِنَّ كُلا لَبِيِّنٌ، وَإِنَّ السُّنَنَ لَقَائِمَةٌ لَهَا أَعْلامٌ، وَإِنَّ الْبِدَعَ لَقَائِمَةٌ لَهَا أَعْلامٌ، وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ، ضَلَّ وَضُلَّ بِهِ، فَأَمَاتَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَحْيَا بِدْعَةً متروكه، وانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالإِمَامِ الْجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلا عَاذِرٌ، فَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ، فَيَدُورُ فِي جَهَنَّمَ كَمَا تَدُورُ الرَّحَا، ثُمَّ يَرْتَطِمُ فِي غَمْرَةِ جَهَنَّمَ» وَإِنِّي أُحَذِّرُكَ اللَّهَ، وَأُحَذِّرُكَ سَطْوَتَهُ وَنَقَمَاتِهِ، فَإِنَّ عَذَابَهُ شَدِيدٌ أَلِيمٌ وَأُحَذِّرُكَ أَنْ تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ الأُمَّةِ الْمُقْتُولُ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ إِمَامٌ، فَيَفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَتُلْبَسُ أُمُورُهَا عَلَيْهَا، وَيَتْرُكُهُمْ شِيَعًا، فَلا يُبْصِرُونَ الْحَقَّ لِعُلُوِّ الْبَاطِلِ، يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجًا، وَيَمْرِجُونَ فيها مرجا
فَقَالَ عُثْمَانُ: قَدْ وَاللَّهِ عَلِمْتُ، لَيَقُولُنَّ الَّذِي قُلْتَ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ مَكَانِي مَا عَنَّفْتُكَ، وَلا أَسْلَمْتُكَ، وَلا عِبْتُ عَلَيْكَ، وَلا جِئْتُ مُنْكَرًا إِنْ وَصَلْتَ رَحِمًا، وَسَدَدْتَ خُلَّةً، وَآوَيْتَ ضَائِعًا، وَوَلَّيْتَ شَبِيهًا بِمَنْ كَانَ عُمَرُ يُوَلِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا عَلِيُّ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ لَيْسَ هُنَاكَ! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَتَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ وَلاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلِمَ تَلُومُنِي أَنْ وَلَّيْتُ ابْنَ عَامِرٍ فِي رَحِمِهِ وَقَرَابَتِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: سَأُخْبِرُكَ، ان عمر ابن الْخَطَّابِ كَانَ كُلُّ مَنْ وَلَّى فَإِنَّمَا يَطَأُ عَلَى صِمَاخِهِ، إِنْ بَلَغَهُ عَنْهُ حَرْفٌ جَلَبَهُ ثُمَّ بَلَغَ بِهِ أَقْصَى الْغَايَةِ، وَأَنْتَ لا تَفْعَلُ، ضَعُفْتَ وَرَفَقْتَ عَلَى أَقْرِبَائِكَ .
قَالَ عُثْمَانُ: هُمْ أَقْرِبَاؤُكَ أَيْضًا فَقَالَ عَلِيٌّ: لَعَمْرِي إِنَّ رَحِمَهُمْ مِنِّي لَقَرِيبَةٌ، وَلَكِنِ الْفَضْلَ فِي غَيْرِهِمْ، قَالَ عُثْمَانُ: هَلْ تَعْلَمْ أَنَّ عُمَرَ وَلَّى مُعَاوِيَةَ خِلافَتَهُ كُلَّهَا؟ فَقَدْ وَلَّيْتُهُ فَقَالَ عَلِيٌّ: أُنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ أَخْوَفَ مِنْ عُمَرَ مِنْ يَرْفَأَ غُلامِ عُمَرَ مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ يَقْتَطِعُ الأُمُورَ دُونَكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُهَا، فَيَقُولُ لِلنَّاسِ: هَذَا أَمْرُ عُثْمَانَ، فَيَبْلُغُكَ وَلا تُغَيِّرُ عَلَى مُعَاوِيَةَ] ثُمَّ خَرَجَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ، وَخَرَجَ عُثْمَانُ عَلَى أَثَرِهِ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ آفَّةٍ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ عَاهَةً، وَإِنَّ آفَّةَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَعَاهَةَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، عَيَّابُونَ طَعَّانُونَ، يَرُونَكُمْ مَا تُحِبُّونَ وَيُسِرُّونَ مَا تَكْرَهُونَ، يَقُولُونَ لَكُمْ وَتَقُولُونَ، أَمْثَالُ النَّعَامِ يَتْبَعُونَ أَوَّلَ نَاعِقٍ، أَحَبُّ مَوَارِدِهَا إِلَيْهَا الْبَعِيدُ، لا يَشْرَبُونَ إِلا نَغَصًا وَلا يَرِدُونَ إِلا عَكِرًا، لا يَقُومُ لَهُمْ رَائِدٌ، وَقَدْ أَعْيَتْهُمُ الأُمُورُ، وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمُ الْمَكَاسِبُ أَلا فَقَدْ وَاللَّهِ عِبْتُمْ عَلَيَّ بِمَا أَقْرَرْتُمْ لابْنِ الْخَطَّابِ بِمِثْلِهِ، وَلَكِنَّهُ وَطِئَكُمْ بِرِجْلِهِ، وَضَرَبَكُمْ بِيَدِهِ، وَقَمَعَكُمْ بِلِسَانِهِ، فَدِنْتُمْ لَهُ عَلَى مَا أَحْبَبْتُمْ أَوْ كَرِهْتُمْ، وَلِنْتُ لَكُمْ، وَأَوْطَأْتُ لَكُمْ كَتِفِي، وَكَفَّفْتُ يَدِي وَلِسَانِي عَنْكُمْ، فَاجْتَرَأْتُمْ عَلَيَّ أَمَا وَاللَّهِ لأَنَا أَعَزُّ نَفَرًا، وَأَقْرَبُ نَاصِرًا وَأَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَقْمَنُ إِنْ قُلْتُ هَلُمَّ أُتِيَ إِلَيَّ، وَلَقَدْ أَعْدَدْتُ لَكُمْ أَقْرَانَكُمْ، وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكُمْ فُضُولا، وَكَشَّرْتُ لَكُمْ عَنْ نَابِي، وَأَخْرَجْتُمْ مِنِّي خُلُقًا لَمْ أَكُنْ أُحْسِنُهُ، وَمَنْطِقَا لَمْ أَنْطِقْ بِهِ، فَكُفُّوا عَلَيْكُمْ أَلْسِنَتَكُمْ، وَطَعْنَكُمْ وَعَيْبَكُمْ عَلَى وُلاتِكُمْ، فَإِنِّي قَدْ كَفَفْتُ عَنْكُمْ مَنْ لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي يُكَلِّمُكُمْ لَرَضِيتُمْ مِنْهُ بِدُونِ مَنْطِقِي هَذَا أَلا فَمَا تَفْقِدُونَ مِنْ حَقِّكُمْ؟ وَاللَّهِ مَا قَصَّرْتُ فِي بُلُوغِ مَا كَانَ يَبْلُغُ مَنْ كَانَ قَبْلِي، وَمَنْ لَمْ تَكُونُوا تَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ فَضْلَ فَضْلٍ مِنْ مَالٍ، فَمَا لِي لا أَصْنَعُ فِي الْفَضْلِ مَا أُرِيدُ! فلم كنت اماما! فقام مروان ابن الْحَكَمِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمْ حَكَّمْنَا وَاللَّهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ السَّيْفَ، نَحْنُ وَاللَّهِ وَأَنْتُمْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَرَشْنَا لَكُمْ أَعْرَاضَنَا فَنَبَتْ بِكُمْ *** مَعَارِسُكُمْ تَبْنُونَ فِي دِمْنِ الثَّرَى
فَقَالَ عُثْمَانُ: اسْكُتْ لاسكت، دَعْنِي وَأَصْحَابِي، مَا مَنْطِقُكَ فِي هَذَا! أَلَمْ أَتَقَدَّمْ إِلَيْكَ أَلا تَنْطِقَ! فَسَكَتَ مَرْوَانُ، وَنَزَلَ عُثْمَانُ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ بَدْرِيٌّ وَمَاتَ أَيْضًا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَعَاقِلُ بْنُ أَبِي الْبُكَيْرِ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، حَلِيفٌ لِبَنِي عَدِيٍّ، وَهُمَا بَدْرِيَّانِ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.