حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ …
بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ.
قَالَ: وَسَأَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَبَاثَ بْنَ أَشْيَمَ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ ليث: أنت اكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أَكْبَرُ مِنِّي، وَأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ فِي الْمِيلَادِ، وَرَأَيْتُ خَذْقَ الْفِيلِ أَخْضَرَ مُحِيلًا بَعْدَهُ بِعَامٍ، وَرَأَيْتُ أُمَيَّةَ بْنَ عَبْدِ شَمْسٍ شَيْخًا كَبِيرًا يَقُودُهُ عَبْدُهُ فَقَالَ ابْنُهُ: يَا قَبَاثُ، أَنْتَ أَعْلَمُ وَمَا تَقُولُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُطَّلِبِ ابن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ:
ولدت انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ، فَنَحْنُ لِدَانِ.
وَحُدِّثْتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: وُلِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عبد المطلب ابو رسول الله صلى الله عليه وسلم لاربع وعشرين مضت من سلطان كسرى انوشروان، وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِنْ سُلْطَانِهِ.
وَحُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ.
حُدِّثْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي الحويرث، قال: سمعت عبد الملك ابن مَرْوَانَ يَقُولُ لِقَبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ الْكِنَانِيِّ اللَّيْثِيِّ: يَا قَبَاثُ، أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أَكْبَرُ مِنِّي وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ، وُلِدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ، وَوَقَفَتْ بِي أُمِّي عَلَى رَوْثِ الْفِيلِ مُحِيلًا أَعْقِلُهُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الاثْنَيْنِ عَامَ الْفِيلِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَقِيلَ إِنَّهُ وُلِدَ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّارِ الَّتِي تُعْرَفُ بِدَارِ ابْنِ يُوسُفَ، وقيل: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ وَهَبَهَا لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدِ عَقِيلٍ حَتَّى تُوُفِّيَ، فَبَاعَهَا وَلَدُهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، أَخِي الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ، فَبَنَى دَارَهُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا دَارُ ابْنِ يُوسُفَ، وَأَدْخَلَ ذَلِكَ الْبَيْتَ فِي الدَّارِ، حَتَّى أَخْرَجَتْهُ الْخَيْزُرَانُ فَجَعَلَتْهُ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
يزعمون فيما يتحدث الناس- والله أعلم- أن آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت تحدث أنها أتيت لما حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع بالأرض فقولي: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ثم سميه مُحَمَّدا ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت منه قصور بصرى من أرض الشام، فلما وضعته أرسلت إلى جده عبد المطلب، أنه قد ولد لك غلام فأته فانظر إليه فأتاه فنظر إليه، وحدثته بما رأت حين حملت به، وما قيل لها فيه.
وما أمرت أن تسميه.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سنان القزاز، قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بن مُحَمَّد الزهري، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد العزيز بْن عمران، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، عَنْ أَبِيهِ، عن ابن أبي سويد الثقفي، عن عثمان بن أبي العاص، قَالَ: حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم – وكان ذلك ليل ولدته- قالت: فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو، حتى إني لأقول:لتقعن علي.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به على هبل في جوف الكعبة، فقام عنده يدعو الله ويشكر ما أعطاه، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها، والتمس له الرضعاء، فاسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، يقال لها حليمة ابنة أبي ذؤيب، وأبو ذئيب عبد الله، بن الحارث، بن شجنة، بن جابر، بن رزام، بن ناصرة، بن فصيه، بن سعد، بن بكر، بن هوازن، بن مَنْصُور، بن عِكْرِمَة، بن خصفة، بن قيس، بن عيلان، بن مضر.
واسم الذي أرضعه: الحارث بن عبد العزى، بن رفاعة، بن ملان، بن ناصره، بن فصيه، بن سعد، بن بكر، بن هوازن، بن مَنْصُور، بن عِكْرِمَة، بن خصفة، بن قيس، بن عيلان، بن مضر واسم إخوته من الرضاعة: عبد الله بن الحارث، وأنيسة ابنة الحارث، وخذامه ابنة الحارث وهي الشيماء، غلب ذلك على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به.
وهي حليمة ابنة عبد الله بن الحارث، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزعمون أن الشيماء كانت تحضنه مع أمها إذ كان عندهم صلى الله عليه وسلم
وأما غير ابن إسحاق، فإنه قَالَ في ذلك مَا حَدَّثَنِي بِهِ الْحَارِثُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ شيبة، عن عميرة ابنة عبيد الله بن كعب بن مالك، عن بره ابنه ابى تجزاه، قالت: أول من ارضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثويبة، بلبن ابن لها- يقال له مسروح- أياما قبل أن تقدم حليمة، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وارضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ- وحَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ وحدثني هَارُونُ بْنُ إِدْرِيسَ الأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي محمد ابن سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ- عَنِ الْجَهْمِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَتْ حَلِيمَةُ ابْنَةُ ابى ذؤيب السعديه أم رسول الله صلى الله عليه وسلم الَّتِي أَرْضَعَتْهُ تُحَدِّثُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ بَلَدِهَا مَعَهَا زَوْجُهَا وَابْنٌ لَهَا تُرْضِعُهُ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، تَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ، قَالَتْ: وَذَلِكَ فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ لَمْ تُبْقِ شَيْئًا، فَخَرَجْتُ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ، مَعَنَا شَارِفٌ لَنَا، وَاللَّهِ مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةٍ، وَمَا نَنَامُ لَيْلَنَا أَجْمَعَ مِنْ صَبِيِّنَا الَّذِي مَعِي مِنْ بُكَائِهِ مِنَ الْجُوعِ، وَمَا فِي ثَدْيَيَّ مَا يُغْنِيهِ، وَمَا فِي شَارِفِنَا مَا يَغْذُوهُ، وَلَكِنَّا نَرْجُو الْغَيْثَ وَالْفَرَجَ، فَخَرَجْتُ عَلَى أَتَانِي تِلْكَ، فَلَقَدْ أَذَمْتُ بِالرَّكْبِ حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ضَعْفًا وَعَجَفًا، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ نَلْتَمِسُ الرُّضَعَاءَ فَمَا مِنَّا امْرَأَةٌ إِلَّا وَقَدْ عُرِضَ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فَتَأْبَاهُ إِذَا قِيلَ لَهَا إِنَّهُ يَتِيمٌ، وَذَلِكَ أَنَّا إِنَّمَا نَرْجُو الْمَعْرُوفَ مِنْ أَبِي الصَّبِيِّ، فَكُنَّا نَقُولُ: يَتِيمٌ مَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ أُمُّهُ وَجَدُّهُ! فَكُنَّا نَكْرَهُهُ لِذَلِكَ، فَمَا بَقِيَتِ امْرَأَةٌ قَدِمَتْ مَعِي إِلَّا أَخَذَتْ رَضِيعًا، غَيْرِي فَلَمَّا أَجْمَعْنَا الانْطِلَاقَ قُلْتُ لِصَاحِبِي: إِنِّي لأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبَاتِي وَلَمْ آخُذْ رَضِيعًا، وَاللَّهِ لَأَذْهَبَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ، قَالَ: لا عَلَيْكِ أَنْ تَفْعَلِي، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا فِيهِ بَرَكَةً! قَالَتْ: فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذْتُهُ وَمَا حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ قَالَتْ: فَلَمَّا أَخَذْتُهُ رَجَعْتُ بِهِ إِلَى رَحْلِي، فَلَمَّا وَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي أَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رُوِيَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتَّى رُوِيَ، ثُمَّ نَامَا- وَمَا كَانَ يَنَامُ قَبْلَ ذَلِكَ- وَقَامَ زَوْجِي إِلَى شَارِفِنَا تِلْكَ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَإِذَا إِنَّهَا لِحَافِلٌ، فَحَلَبَ مِنْهَا حَتَّى شَرِبَ وَشَرِبْتُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا رِيًّا وَشِبَعًا، فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ قَالَتْ: يَقُولُ لِي صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْتُ: أَتَعْلَمِينَ وَاللَّهِ يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ أَخَذْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو ذَلِكَ قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْنَا وَرَكِبْتُ أَتَانِي تِلْكَ، وَحَمَلْتُهُ عَلَيْهَا مَعِي، فو الله لَقَطَعَتْ بِنَا الرَّكْبَ مَا يَقْدُمُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ حُمُرِهِمْ، حَتَّى إِنَّ صَوَاحِبِي لَيَقُلْنَ لِي: يَا ابْنَةَ أَبِي ذُؤَيْبٍ، ارْبِعِي عَلَيْنَا.
أَلَيْسَ هَذِهِ أَتَانُكِ الَّتِي كُنْتِ خَرَجْتِ عَلَيْهَا؟ فَأَقُولُ لَهُنَّ: بَلَى وَاللَّهِ، إِنَّهَا لَهِيَ هِيَ، فَيَقُلْنَ: وَاللَّهِ إِنَّ لَهَا لَشَأْنًا قَالَتْ: ثُمَّ قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ بِلَادِ بَنِي سَعْدٍ، وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ أَجْدَبَ مِنْهَا، فَكَانَتْ غَنَمِي تَرُوحُ عَلَى حِينِ قَدِمْنَا بِهِ مَعَنَا شِبَاعًا لُبَّنًا، فَنَحْلِبُ وَنَشْرَبُ، وَمَا يَحْلِبُ إِنْسَانٌ قَطْرَةً وَلَا يَجِدُهَا فِي ضَرْعٍ، حَتَّى إِنْ كَانَ الْحَاضِرُ مِنْ قَوْمِنَا يَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ: وَيْلَكُمُ، اسْرَحُوا حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي ابْنَةِ أَبِي ذُؤَيْبٍ! فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا تَبُضُّ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ غَنَمِي شِبَاعًا لُبَّنًا فَلَمْ نَزَلْ نَتَعَرَّفُ مِنَ اللَّهِ زِيَادَةَ الْخَيْرِ بِهِ، حَتَّى مَضَتْ سَنَتَانِ وَفَصَلْتُهُ وَكَانَ يَشِبُّ شَبَابًا لا يَشِبُّهُ الْغِلْمَانُ، فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حَتَّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا، فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَحْرَصُ شَيْءٍ عَلَى مُكْثِهِ فِينَا، لِمَا كُنَّا نَرَى مِنْ بَرَكَتِهِ، فَكَلَّمْنَا أُمَّهُ وَقُلْنَا لَهَا: يَا ظِئْرُ، لَوْ تَرَكْتِ بُنَيَّ عِنْدِي حَتَّى يَغْلِظَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ! قَالَتْ: فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتَّى رَدَدْنَاهُ مَعَنَا قَالَتْ: فرجعنا به، فو الله إِنَّهُ بَعْدَ مَقْدَمِنَا بِهِ بِأَشْهُرٍ مَعَ أَخِيهِ فِي بَهْمٍ لَنَا خَلْفَ بُيُوتِنَا، إِذْ أَتَانَا أَخُوهُ يَشْتَدُّ، فَقَالَ لِي وَلأَبِيهِ: ذَاكَ أَخِي الْقُرَشِيُّ قَدْ جَاءَهُ رَجُلانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ، فَأَضْجَعَاهُ وَشَقَّا بَطْنَهُ وَهُمَا يَسُوطَانِهِ قَالَتْ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُوهُ نَشْتَدُّ، فَوَجَدْنَاهُ قَائِمًا مُنْتَقِعًا وَجْهُهُ، قالت: فالتزمه وَالْتَزَمَهُ أَبُوهُ، وَقُلْنَا لَهُ: مَا لَكَ يَا بُنَيَّ؟
قَالَ: جَاءَنِي رَجُلانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ، فَأَضْجَعَانِي فَشَقَّا بَطْنِي فَالْتَمَسَا فِيهِ شَيْئًا لا أَدْرِي مَا هُوَ! قَالَتْ: فَرَجَعْنَا إِلَى خِبَائِنَا قَالَتْ: وَقَالَ لِي أَبُوهُ:
وَاللَّهِ يَا حَلِيمَةُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغُلامُ قَدْ أُصِيبَ، فَأَلْحِقِيهِ بِأَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ بِهِ ذَلِكَ، قَالَتْ: فَاحْتَمَلْنَاهُ، فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ:
مَا أَقْدَمَكِ بِهِ يَا ظِئْرُ، وَقَدْ كُنْتِ حَرِيصَةً عَلَيْهِ وَعَلى مُكْثِهِ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ:
قُلْتُ: قَدْ بَلَغَ اللَّهُ بِابْنِي وَقَضَيْتُ الَّذِي عَلَيَّ وَتَخَوَّفْتُ الأَحْدَاثَ عَلَيْهِ، فَأَدَّيْتُهُ إِلَيْكِ كَمَا تُحَبِّينَ قَالَتْ: مَا هَذَا بِشَأْنِكِ، فَاصْدُقِينِي خَبَرَكِ، قَالَتْ:
فَلَمْ تَدَعْنِي حَتَّى أَخْبَرْتُهَا الْخَبَرَ، قَالَتْ: فَتَخَوَّفْتِ عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ؟ قَالَتْ:
فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: كَلا وَاللَّهِ مَا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَإِنَّ لِبُنَيَّ لَشَأْنًا، أَفَلا أُخْبِرُكِ خَبَرَهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: رَأَيْتُ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَ لِي قُصُورَ بُصْرَى من ارض الشام، ثم حملت به، فو الله مَا رَأَيْتُ مِنْ حَمْلٍ قَطُّ كَانَ أَخَفَّ مِنْهُ وَلا أَيْسَرَ مِنْهُ، ثُمَّ وَقَعَ حِينَ وَلَدْتُهُ وَإِنَّهُ لَوَاضِعٌ يَدَيْهِ بِالأَرْضِ، رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، دَعِيهِ عَنْكِ وَانْطَلِقِي رَاشِدَةً.
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ الشَّامِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ الشَّامِيِّ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: بَيْنَا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، وَهُوَ مَدَرَّةُ قَوْمِهِ وَسَيِّدُهُمْ، مِنْ شَيْخٍ كَبِيرٍ يَتَوَكَّأُ على عصا، فمثل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قائما، ونسبه الى جده، فقال: يا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي أُنْبِئْتُ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ، أَرْسَلَكَ بِمَا أَرْسَلَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَغَيْرَهُمْ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، أَلا وَإِنَّكَ فَوَّهْتَ بِعَظِيمٍ، وَإِنَّمَا كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ وَالْخُلَفَاءُ فِي بَيْتَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْتَ مِمَّنْ يَعْبُدُ هَذِهِ الْحِجَارَةَ وَالأَوْثَانَ، فَمَا لَكَ وَلِلنُّبُوَّةِ! وَلَكِنْ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةٌ، فَأَنْبِئْنِي بِحَقِيقَةِ قولك، وبدء شانك، قال:
فاعجب النبي صلى الله عليه وسلم بِمَسْأَلَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ، إِنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي تَسْأَلُنِي عَنْهُ نَبَأً وَمَجْلِسًا، فَاجْلِسْ»، فَثَنَّى رِجْلَيْهِ ثُمَّ بَرَكَ كَمَا يبرك البعير، فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم بِالْحَدِيثِ فَقَالَ: «يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ، إِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِي وَبَدْءَ شَأْنِي، أَنِّي دَعْوَةُ أَبِي ابراهيم، وبشرى أخي عيسى بن مَرْيَمَ وَإِنِّي كُنْتُ بِكْرَ أُمِّي، وَإِنَّهَا حَمَلَتْ بِي كَأَثْقَلِ مَا تَحْمِلُ، وَجَعَلَتْ تَشْتَكِي إِلَى صَوَاحِبِهَا ثِقَلَ مَا تَجِدُ ثُمَّ إِنَّ أُمِّي رَأَتْ فِي الْمَنَامِ أَنَّ الَّذِي فِي بَطْنِهَا نُورٌ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أُتْبِعُ بَصَرِيَ النُّورَ، وَالنُّورُ يَسْبِقُ بَصَرِي، حَتَّى أَضَاءَتْ لِي مَشَارِقُ الأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا. ثُمَّ إِنَّهَا وَلَدَتْنِي فَنَشَأْتُ، فَلَمَّا أَنْ نَشَأْتُ بُغِّضَتْ إِلَيَّ أَوْثَانُ قُرَيْشٍ، وَبُغِّضَ إِلَيَّ الشِّعْرُ، وَكُنْتُ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ مُنْتَبِذٌ مِنْ اهلى في بطن واد مع أَتْرَابٍ لِي مِنَ الصِّبْيَانِ نَتَقَاذَفُ بَيْنَنَا بِالْجُلَّةِ، إِذْ أَتَانَا رَهْطٌ ثَلاثَةٌ مَعَهُمْ طَسْتٌ مِنْ ذهب مليء ثَلْجًا، فَأَخَذُونِي مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي، فَخَرَجَ أَصْحَابِي هِرَابًا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى شَفِيرِ الْوَادِي، ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى الرَّهْطِ فَقَالُوا: مَا أَرَبُكُمْ إِلَى هَذَا الْغُلامِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا، هَذَا ابْنُ سَيِّدِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْتَرْضَعٌ فِينَا، مِنْ غُلامٍ يَتِيمٍ لَيْسَ لَهُ أَبٌ، فَمَاذَا يَرُدُّ عَلَيْكُمْ قَتْلُهُ، وَمَاذَا تُصِيبُونَ مِنْ ذَلِكَ! وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ لا بُدَّ قَاتِلِيهِ، فَاخْتَارُوا مِنَّا أَيَّنَا شِئْتُمْ، فَلْيَأْتِكُمْ مَكَانَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَدَعُوا هَذَا الْغُلامَ فَإِنَّهُ يَتِيمٌ فَلَمَّا رَأَى الصِّبْيَانُ الْقَوْمَ لا يُحِيرُونَ إِلَيْهِمْ جَوَابًا، انْطَلَقُوا هِرَابًا مُسْرِعِينَ إِلَى الحى، يؤذنونهم ويستصرخونهم عَلَى الْقَوْمِ، فَعَمَدَ أَحَدُهُمْ فَأَضْجَعَنِي عَلَى الأَرْضِ إِضْجَاعًا لَطِيفًا، ثُمَّ شَقَّ مَا بَيْنَ مَفْرِقِ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فلم أَجِدْ لِذَلِكَ مَسًّا ثُمَّ أَخْرَجَ أَحْشَاءَ بَطْنِي ثُمَّ غَسَلَهَا بِذَلِكَ الثَّلْجِ فَأَنْعَمَ غَسْلَهَا، ثُمَّ أَعَادَهَا مَكَانَهَا، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي مِنْهُمْ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: تَنَحَّ، فَنَحَّاهُ عَنِّي، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَوْفِي فَأَخْرَجَ قَلْبِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَصَدَعَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهُ مُضْغَةً سَوْدَاءَ، فَرَمَى بِهَا ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ يُمْنَةً مِنْهُ، كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِي يَدِهِ مِنْ نُورٍ يَحَارُ النَّاظِرُونَ دُونَهُ، فَخَتَمَ بِهِ قَلْبِي فَامْتَلأَ نُورًا، وَذَلِكَ نُورُ النُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ، ثُمَّ أَعَادَهُ مَكَانَهُ فَوَجَدْتُ بَرَدَ ذَلِكَ الْخَاتَمِ فِي قَلْبِي دَهْرًا، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثُ لِصَاحِبِهِ: تَنَحَّ عَنِّي، فَأَمَرَّ يَدَهُ مَا بَيْنَ مَفْرِقِ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي، فَالْتَأَمَ ذَلِكَ الشَّقُّ بِإِذْنِ اللَّهِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَنْهَضَنِي مِنْ مَكَانِي إِنْهَاضًا لَطِيفًا، ثُمَّ قَالَ لِلأَوَّلِ الَّذِي شَقَّ بَطْنِي: زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنُونِي بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنُونِي بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنُونِي بِهِمْ فَرَجَحْتُهُمْ فَقَالَ: دَعُوهُ، فَلَوْ وَزَنْتُمُوهُ بِأُمَّتِهِ كُلِّهَا لَرَجَحَهُمْ قَالَ: ثُمَّ ضَمُّونِي إِلَى صُدُورِهِمْ وَقَبَّلُوا رَأْسِي وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ، ثُمَّ قَالُوا: يَا حَبِيبُ، لَمْ تُرَعْ، إِنَّكَ لَوْ تَدْرِي مَا يُرَادُ بِكَ مِنَ الْخَيْرِ لَقَرَّتْ عَيْنَاكَ قَالَ: فَبْيَنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ أَنَا بِالْحَيِّ قَدْ جَاءُوا بِحَذَافِيرِهِمْ، وَإِذَا أُمِّي- وَهِيَ ظِئْرِي- أَمَامَ الْحَيِّ تَهْتِفُ بِأَعْلَى صَوْتِهَا وَتَقُولُ: يَا ضَعِيفَاهُ! قَالَ: فَانْكَبُّوا عَلَيَّ فَقَبَّلُوا رَأْسِي وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ، فَقَالُوا: حَبَّذَا أَنْتَ مِنْ ضَعِيفٍ! ثُمَّ قَالَتْ ظِئْرِي: يَا وَحِيدَاهُ! فَانْكَبُّوا عَلَيَّ فَضَمُّونِي إِلَى صُدُورِهِمْ وَقَبَّلُوا رَأْسِي وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ، ثُمَّ قَالُوا: حَبَّذَا أَنْتَ مِنْ وَحِيدٍ وَمَا أَنْتَ بِوَحِيدٍ! إِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَمَلائِكَتَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ ثُمَّ قَالَتْ ظِئْرِي: يَا يَتِيمَاهُ، اسْتُضْعِفْتَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِكَ فَقُتِلْتَ لِضَعْفِكَ، فَانْكَبُّوا عَلَيَّ فَضَمُّونِي إِلَى صُدُورِهِمْ وَقَبَّلُوا رَأْسِي وَمَا بَيْنَ عَيْنِي، وَقَالُوا: حَبَّذَا أَنْتَ مِنْ يَتِيمٍ، مَا أَكْرَمَكَ عَلَى اللَّهِ! لَوْ تَعْلَمُ مَاذَا يُرَادُ بِكَ مِنَ الْخَيْرِ! قَالَ: فَوَصَلُوا بِي إِلَى شَفِيرِ الْوَادِي، فَلَمَّا بَصُرَتْ بِي أُمِّي- وَهِيَ ظِئْرِي- قَالَتْ: يَا بُنَيَّ أَلا أَرَاكَ حَيًّا بَعْدُ! فَجَاءَتْ حَتَّى انْكَبَّتْ عَلَيَّ وضمتني الى صدرها، فو الذى نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَفِي حِجْرِهَا وَقَدْ ضَمَّتْنِي إِلَيْهَا، وَإِنَّ يَدِي فِي يَدِ بَعْضِهِمْ، فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ يُبْصِرُونَهُمْ، فَإِذَا هُمْ لا يُبْصِرُونَهُمْ، يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِنَّ هَذَا الْغُلامَ قَدْ أَصَابَهُ لَمَمٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الْجِنِّ، فَانْطَلِقُوا بِهِ إِلَى كَاهِنِنَا حَتَّى يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَيُدَاوِيَهُ فَقُلْتُ: يَا هَذَا، مَا بِي شَيْءٌ مِمَّا تَذْكُرُ، إِنَّ آرَائِي سَلِيمَةٌ وَفُؤَادِي صَحِيحٌ، لَيْسَ بِي قَلَبَةٌ فَقَالَ أَبِي- وَهُوَ زَوْجُ ظِئْرِي- أَلا تَرَوْنَ كَلامَهُ كَلامَ صَحِيحٍ! إِنِّي لأَرْجُو أَلا يَكُونَ بِابْنِي بَأْسٌ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَذْهَبُوا بِي إِلَى الْكَاهِنِ، فَاحْتَمَلُونِي حَتَّى ذَهَبُوا بِي إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَصُّوا عَلَيْهِ قِصَّتِي قَالَ: اسْكُتُوا حَتَّى أَسْمَعَ مِنَ الْغُلامِ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِأَمْرِهِ مِنْكُمْ، فَسَأَلَنِي، فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ أَمْرِي مَا بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ قَوْلِي وَثَبَ إِلَيَّ فَضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا لَلْعَرَبِ، يَا للعرب! اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه، فو اللات وَالْعُزَّى لَئِنْ تَرَكْتُمُوهُ وَأَدْرَكَ، لَيُبَدِّلَنَّ دِينَكُمْ وَلُيُسَفِّهَنَّ عُقُولَكُمْ وَعُقُولَ آبَائِكُمْ، وَلَيُخَالِفَنَّ أَمْرَكُمْ، وَلَيَأْتِيَنَّكُمْ بِدِينٍ لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهِ قَطُّ! فَعَمَدَتْ ظِئْرِي فَانْتَزَعَتْنِي مِنْ حِجْرِهِ وَقَالَتْ: لأَنْتَ أَعْتَهُ وَأَجَنُّ مِنَ ابْنِي هَذَا! فَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ قَوْلِكَ مَا أَتَيْتُكَ بِهِ، فَاطْلُبْ لِنَفْسِكَ مَنْ يَقْتُلُكَ، فَإِنَّا غَيْرُ قَاتِلِي هَذَا الْغُلامَ ثُمَّ احْتَمَلُونِي فَأَدَّوْنِي إِلَى أَهْلِي فَأَصْبَحْتُ مُفَزَّعًا مِمَّا فُعِلَ بِي، وَأَصْبَحَ أَثَرُ الشَّقِّ مَا بَيْنَ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي كَأَنَّهُ الشِّرَاكُ، فَذَلِكَ حَقِيقَةُ قَوْلِي وَبَدْءُ شَأْنِي يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ». فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ أَنَّ أَمْرَكَ حَقٌّ، فَأَنْبِئْنِي بِأَشْيَاءَ أَسْأَلُكَ عَنْهَا! قَالَ: «سَلْ عَنْكَ- وَكَانَ النبي صلى الله عليه وسلم قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُ لِلسَّائِلِ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ، وَعَمَّا بَدَا لَكَ» فَقَالَ لِلْعَامِرِيِّ يَوْمَئِذٍ: سَلْ عَنْكَ، لأَنَّهَا لُغَةُ بَنِي عَامِرٍ، فَكَلَّمَهُ بِمَا علم- فقال له العامري: أخبرني يا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَا يَزِيدُ فِي الْعِلْمِ؟ قَالَ: «التَّعَلُّمُ»، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : «السُّؤَالُ»، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي مَاذَا يَزِيدُ فِي الشَّرِّ؟ قَالَ: «التَّمَادِي»، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ يَنْفَعُ الْبِرُّ بَعْدَ الْفُجُورِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، التَّوْبَةُ تَغْسِلُ الْحَوْبَةَ، والحسنات يذهبن السيئات، و إذا ذَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ عِنْدَ الرَّخَاءِ، أَغَاثَهُ عِنْدَ البلاء»، قال العامري: وكيف ذلك يا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: لا وَعِزَّتِي وَجَلالِي، لا أَجْمَعُ لِعَبْدِي أَمْنَيْنِ، وَلا أَجْمَعُ لَهُ أَبَدًا خَوْفَيْنِ، إِنْ هُوَ خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمِنَنِي يَوْمَ أَجْمَعُ فِيهِ عِبَادِي عِنْدِي فِي حَظِيرَةِ الْفِرْدَوْسِ، فَيَدُومُ لَهُ أَمْنُهُ، وَلا أَمْحَقُهُ فِيمَنْ أَمْحَقُ، وَإِنْ هُوَ أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا خَافَنِي يَوْمَ أَجْمَعُ فِيهِ عِبَادِي لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، فَيَدُومُ لَهُ خَوْفُهُ»، قال: يا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَخْبِرْنِي إِلامَ تَدْعُو؟ قَالَ: «أَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنْ تَخْلَعَ الأَنْدَادَ، وَتَكْفُرَ بِاللاتِ وَالْعُزَّى، وَتُقِرَّ بِمَا جَاءَ مِنَ اللَّهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ رَسُولٍ، وَتُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِحَقَائِقِهِنَّ، وَتَصُومَ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ، وَتُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِكَ، يُطَهِّرُكَ اللَّهُ بِهَا وَيَطِيبُ لَكَ مَالُكَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِذَا وَجَدْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا، وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَتُؤْمِنَ بِالْمَوْتِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبِالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ» قَالَ: يا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَمَا لِي؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : «{جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ} [طه: 76] » قال: يا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَلْ مَعَ هَذَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ؟ فَإِنَّهُ يُعْجِبُنِي الْوَطَاءَةُ مِنَ الْعَيْشِ! قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم :«نَعَمْ، النَّصْرُ وَالتَّمَكُّنُ فِي الْبِلادِ قَالَ: فَأَجَابَ وَأَنَابَ» .
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الْكَلاعِيِّ، أَنَّ نفرا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ، قَالَ: «نَعَمْ، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي خَلْفَ بُيُوتِنَا نَرْعَى بَهْمًا لَنَا، أَتَانِي رَجُلانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا، فَأَخَذَانِي، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا مِنْهُ قَلْبِي، فَشَقَّاهُ فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ، فَطَرَحَاهَا، ثُمَّ غَسَلا بَطْنِي وَقَلْبِي بِذَلِكَ الثَّلْجِ حَتَّى أَنْقَيَاهُ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: دَعْهُ عَنْكَ، فَلَوْ وَزَنْتَهُ بِأُمَّتِهِ لَوَزَنَهَا» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هَلَكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم رسول الله آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زُهْرَةَ حَامِلٌ بِهِ.
وَأَمَّا هِشَامٌ فَإِنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ أَبُو رَسُولِ اللَّهِ، بَعْدَ ما اتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا.
حَدَّثَنِي الحارث، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن سعد، قَالَ: قَالَ محمد بن عمر الواقدي: الثبت عندنا مما ليس بين أصحابنا فيه اختلاف، أن عبد الله بن عبد المطلب أقبل من الشام في عير لقريش، فنزل بالمدينة- وهو مريض- فأقام بها حتى توفي، ودفن في دار النابغة، في الدار الصغرى إذا دخلت الدار على يسارك في البيت.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله ابن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عمرو بن حزم الأنصاري، ان أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنه، توفيت- ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين- بالأبواء بين مكة والمدينة، كانت قدمت به المدينة على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم، فماتت وهي راجعة به إلى مكة.
وقد حَدَّثَنِي الحارث، قال: حدثنا مُحَمَّد بن سعد، قال: أخبرنا محمد ابن عمر، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن جريج، عن عثمان بن صفوان، أن قبر آمنة بنت وهب في شعب أبي ذر بمكة.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن العباس ابن عبد الله بن معبد بن العباس، عن بعض أهله، أن عبد المطلب توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثماني سنين، وكان بعضهم يقول: توفي عبد المطلب ورسول الله ابن عشر سنين.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَيُصْبِحُ وَلَدَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ غُمْصًا رُمْصًا، ويصبح صلى الله عليه وسلم صَقِيلا دَهِينًا.