قَالَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَّى عُمَرُ أَبَا مُوسَى الْبَصْرَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُشْخِصَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةَ فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ فيما حَدَّثَنِي معمر، …
عن الزهري، عن ابن المسيب- أبو بكرة، وشبل بْن معبد البجلي، ونافع بْن كلدة، وزياد.
قال: وحدثني مُحَمَّد بْن يعقوب بْن عتبة، عن أبيه، قال: كان يختلف إلى أم جميل، امرأة من بني هلال، وكان لها زوج هلك قبل ذلك من ثقيف، يقال له الحجاج بْن عبيد، فكان يدخل عليها، فبلغ ذلك أهل البصرة، فأعظموه، فخرج المغيرة يوما من الأيام حتى دخل عليها، وقد وضعوا عليها الرصد، فانطلق القوم الذين شهدوا جميعا، فكشفوا الستر، وقد واقعها فوفد أبو بكرة إلى عمر، فسمع صوته وبينه وبينه حجاب، فقال: أبو بكرة؟ قال: نعم، قال: لقد جئت لشر، قال: إنما جاء بي المغيرة، ثم قص عليه القصة، فبعث عمر أبا موسى الأشعري عاملا، وأمره أن يبعث إليه المغيرة، فأهدى المغيرة لأبي موسى عقيلة، وقال: انى رضيتها لك، فبعث أبو موسى بالمغيرة إلى عمر.
قال الواقدي: وحدثني عبد الرحمن بْن محمد بن ابى بكر بن محمد ابن عمرو بْن حزم، عَنْ أَبِيهِ، عن مالك بْن أوس بْن الحدثان، قال:
حضرت عمر حين قدم بالمغيرة، وقد تزوج امرأة من بني مرة، فقال له: إنك لفارغ القلب، طويل الشبق، فسمعت عمر يسأل عن المرأة فقال: يقال لها الرقطاء، وزوجها من ثقيف، وهو من بني هلال.
قال أبو جعفر: وكان سبب ما كان بين أبي بكرة والشهادة عليه- فيما كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن مُحَمَّد والمهلب وطلحة وعمرو بإسنادهم، قالوا: كان الذي حدث بين أبي بكرة والمغيرة بْن شعبة أن المغيرة كان يناغيه، وكان أبو بكرة ينافره عند كل ما يكون منه، وكانا بالبصرة، وكانا متجاورين بينهما طريق، وكانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى، فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته، فهبت ريح، ففتحت باب الكوة، فقام أبو بكرة ليصفقه، فبصر بالمغيرة، وقد فتحت الريح باب كوة مشربته، وهو بين رجلي امرأة، فقال للنفر: قوموا فانظروا، فقاموا فنظروا، ثم قال: اشهدوا، قالوا: من هذه؟ قال: أم جميل ابنة الأفقم- وكانت أم جميل إحدى بني عامر بْن صعصعة، وكانت غاشية للمغيرة، وتغشى الأمراء والأشراف- وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها- فقالوا: إنما رأينا أعجازا، ولا ندري ما الوجه؟ ثم إنهم صمموا حين قامت، فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال: لا تصل بنا فكتبوا إلى عمر بذلك، وتكاتبوا، فبعث عمر إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، إني مستعملك، إني أبعثك إلى أرض قد باض بها الشيطان وفرخ، فالزم ما تعرف، ولا تستبدل فيستبدل اللَّه بك فقال: يا أمير المؤمنين، أعني بعدة من أصحاب رسول اللَّه من المهاجرين والأنصار، فإني وجدتهم في هذه الأمة وهذه الأعمال كالملح لا يصلح الطعام إلا به فاستعن بمن أحببت فاستعان بتسعة وعشرين رجلا، منهم أنس بْن مالك وعمران بْن حصين وهشام بْن عامر ثم خرج أبو موسى فيهم حتى أناخ بالمربد، وبلغ المغيرة أن أبا موسى قد أناخ بالمربد فقال: والله ما جاء أبو موسى زائرا، ولا تاجرا، ولكنه جاء أميرا فإنهم لفي ذلك، إذ جاء أبو موسى حتى دخل عليهم، فدفع إليه أبو موسى كتابا من عمر، وإنه لأوجز كتاب كتب به أحد من الناس، أربع كلم عزل فيها، وعاتب، واستحث، وأمر: أما بعد، فإنه بلغني نبأ عظيم، فبعثت أبا موسى أميرا، فسلم إليه ما في يدك، والعجل وكتب إلى أهل البصرة: أما بعد، فإني قد بعثت أبا موسى أميرا عليكم، ليأخذ لضعيفكم من قويكم، وليقاتل بكم عدوكم، وليدفع عن ذمتكم، وليحصى لكم فيئكم ثم ليقسمه بينكم، ولينقى لكم طرقكم.
وأهدى له المغيرة وليدة من مولدات الطائف تدعى عقيلة، وقال:
إني قد رضيتها لك- وكانت فارهة- وارتحل: المغيرة وأبو بكرة ونافع بْن كلدة وزياد وشبل بْن معبد البجلي حتى قدموا على عمر، فجمع بينهم وبين المغيرة، فقال المغيرة: سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني، مستقبلهم أو مستدبرهم؟ وكيف رأوا المرأة او عرفوها؟ فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر، أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي! والله ما أتيت إلا امرأتي- وكانت شبهها- فبدأ بأبي بكرة، فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة، قال:كيف رأيتهما؟ قال مستدبرهما، قال: فكيف استثبت رأسها؟ قال: تحاملت.
ثم دعا بشبل بْن معبد، فشهد بمثل ذلك، فقال: استدبرتهما أو استقبلتهما؟ قال: استقبلتهما وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة، ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم، قال: رأيته جالسا بين رجلي امرأة، فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، واستين مكشوفتين، وسمعت حفزانا شديدا قال: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا، قال: فهل تعرف المرأة؟ قال: لا، ولكن أشبهها، قال: فتنح، وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد، وقرأ: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ} [النور: 13]، فقال المغيرة:
اشفني من الأعبد، فقال: اسكت اسكت الله نامتك! اما والله لو تمت الشهاده لرجمتك باحجارك.