وأما خوفه من ربه، وطاعته له، وشدّة عبادته، …
فعلى قدر علمه بربه، ولذلك قال: “لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، إني أرى مالا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطّت (صوتت) السماء وحقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلّا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله تعالى، لوددت أني شجرة تعضد“. وكان عليه الصلاة والسلام يصلي حتى ترم قدماه؛ فقيل له أتكلّف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟ قال. “أفلا أكون عبدا شكورا!” . وقالت عائشة رضي الله عنها: كان عمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ديمة، وأيّكم يطيق ما كان يطيق؟ وقالت: كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم. وقال عوف بن مالك: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة، فاستاك، ثم توضأ، ثم قام يصلي، فقمت معه فاستفتح البقرة، فلا يمر باية رحمة إلّا وقف فسأل، ولا يمر باية عذاب إلّا وقف فتعوّذ، ثم ركع، فمكث بقدر قيامه، يقول: “سبحان ذي الجبروت والملكوت والعظمة“، ثم سجد، وقال مثل ذلك. ثم قرأ ال عمران، ثم سورة سورة يفعل مثل ذلك، وقال بعضهم: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، وفي وصف ابن أبي هالة: كان متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة. وعن علي رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن سنته فقال: “المعرفة رأس مالي، والعقل أصل ديني، والحبّ أساسي، والشوق مركبي، وذكر الله أنيسي، والثقة كنزي. والحزن رفيقي. والعلم سلاحي. والصّبر ردائي، والرضا غنيمتي، والفقر فخري، والزهد حرفتي، واليقين قوّتي، والصّدق شفيعي، والطاعة حسبي، والجهاد خلقي، وقرّة عيني في الصلاة، وثمرة فؤادي في ذكره، وغمّي لأجل أمتي. وشوقي إلى ربي“.
فجزاه الله من نبي عن أمته خيرا، ورحم الله عبدا تأمل في هذه الشمائل الكريمة والخصال الجميلة فتمسك بها، واتّبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليحوز شفاعته يوم الفزع الأكبر ويرضى الله عنه، فنسألك اللهمّ التوفيق لما فيه الخير بمنّك وكرمك يا أرحم الراحمين.